أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

بين فيينا وسوتشي.. كأن شيئا لم يكن*

من اجتماع "فيينا" أول أمس - جيتي

تدور رحى المؤتمرات مسرعة لتطحن أحلام السوريين، كما سحقت عجلة الأسد العسكرية أرواح الكثيرين منهم، مسافة زمنية طويلة منذ مؤتمر جنيف الأول مرورا بلقاءات الأستانة، وصولا إلى أحدثها في فيينا وسوتشي، وفي كل منها كان أفق السوريين يتراجع حتى بات من الواضح أن العالم يريد إنهاء كل أثر لثورة هي الأجمل والأعظم عبر التاريخ بوجه أعتى الديكتاتوريات.

إن ما خطّته في فيينا الدول التي تدّعي صداقة الشعب السوري لا يقترب من أصغر طموحات السوريين، أما ما يحاول الروس فرضه في سوتشي فلا يتجاوز البيانات التي تصدرها الإدارة السياسية في جيش الأسد. 

لا تبدو المسافة بعيدة بين طروحات المؤتمرَين والمؤتمرِين، وهذا ما يدفع للقول بأن الخلاف لم يعد على صيغة الحل بل على الجهة التي تقود هذا الحل وترعاه وتضمنه، ومن الواضح أن الإسراع بعقد لقاء فيينا قبيل سوتشي يهدف لسحب دفة القيادة من روسيا أو على الأقل إشراك الغرب في تحريكها من خلال طرح حلّ يقترب من طروحات الروس ويجعل من الصعب عليهم رفضه، ويُفشل في الوقت عينه مؤتمر سوتشي الذي ستقتصر مشاركة المعارضة فيه على المستقلين.

بدت ملامح فشل سوتشي بالرفض الشعبي السوري الذي عبّرت عنه عديد الحملات الإعلامية، واختصار الوفد الذي سيمثل النظام، وكذلك من تراجع عدد من المنظمات الإنسانية الدولية عن المشاركة فيه، وأهم هذه الملامح كان إعلان الكرملين أن بوتين لا ينوي حضوره، ولكنه سيعقد بأي حال حفظا لماء وجه الرئيس الروسي الذي طالما تحدث عنه باعتباره نصرا روسيا وشخصيا له.

ما بين صيغة الحل ودفة قيادته يبدو أن الأمور تكاد تكون محسومة لصالح بقاء النظام وحتى الأسد عبر انتخابات لم يعترض على إجرائها أصدقاء السوريين سيحسمها لمصلحته لأن العالم يريد ذلك أو لا يعترض عليه.

ويعزز في هذا الاحتمال ما أشار إليه خبر عن تشكيل لجنة من البرلمان التركي لإعادة "إصلاح العلاقة مع سورية" لم تنفه أو تؤكده تركية التي أكثرت من الإعلان عن معاداة النظام والأسد، وكذلك توجّه عدد من شركات الاستثمار الخليجية لعقد صفقات إعادة الإعمار مع النظام.

إن صمت العالم عن إزاحة السيسي لكل المرشحين المنافسين له في الانتخابات الرئاسية القادمة، وعدم سماحه بحسم الحرب اليمنية يؤشر على أن لا تغييرات مهمة في الشرق الأوسط قريبا، ولعل مردّ ذلك يعود إلى تطابق المصالح الأمريكية الإسرائيلية الإيرانية، حيث يبدو أن الإتاوة التي دفعتها دول الخليج لإدارة ترامب لم تكن كافية لتحويل اتجاه المصالح إلى جانبها.

يتجه العالم لإعادة الشعب السوري إلى حظيرة الدكتاتورية، غير مكترث بالتضحيات الجسيمة التي قدمها من أجل بعض حريةٍ وكرامة، ولم تعد أكثر الدول صراخا في وجه الأسد تبدي اعتراضا على بقائه بعدما كانت هدّدت وتوعّدت ووعدت بانتشاله مع نظامه من الجذور.

جريمة فاجرة بحق الإنسانية ترتكبها السياسة الدولية، إذ تسمح لنظام مجرم فعل ما فعل بحق شعبه أن يستمر في قيادة هذا الشعب، وهو الذي يجب اقتياده إلى المحاكم الدولية بكل رموزه السياسية والأمنية والعسكرية.

*عبد السلام حاج بكري - من كتاب "زمان الوصل"
(128)    هل أعجبتك المقالة (121)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي