أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

كذبة "أنطوان خوري" تعيد وضع حيادية "بي بي سي" على المحك

كان الكثير يعتبرها المدرسة الأهم في الصحافة العالمية والأقرب للحيادية

يقول الكثير من السوريين بأن محطة "بي بي سي" تتبنى رواية النظام في أحداث البلاد، وأن رضى النظام عنها، جعلها المحطة الوحيدة بين القنوات الأجنبية خارج إطار قنوات حلفائه، تجول وتصول في سوريا منذ 7 سنوات وتنقل وجهة نظر النظام دون غيرها.

إلا أن المحطة تجاوزت هذا الأمر مؤخرا، من خلال زج الصحفي اللبناني "أنطوان خوري" بآرائه الشخصية في برنامج يقدمه، يفترض أن يكون حيادياً سواء كمقدم أو كبرنامج، وذهب بعيداً ذلك الصحفي ومن منبر تلك المحطة، وبث أكاذيب للرأي العام، لا سيما زعمه بأن الجيش السوري الحر مصنف من معظم دول العالم كمنظمة إرهابية، فضلاً عن محاولة إبعاد صفة الاحتلال عن الروس، بحجة أنهم أتوا لسوريا بطلب من الحكومة "الشرعية" وأن هذه الصفة تطلق على التواجد التركي فقط، لأنها دخلت بدون موافقة الحكومة.

ورغم موجة الاحتجاج من قبل السوريين على ما بثته المحطة البريطانية، إلا أنها لم تقدم أي اعتذار لجمهورها، واكتفت بحذف الجزء المتعلق بهذا الأمر، وكأن حذف ما قاله "خوري" يندرج ضمن إخفاء آثار الجريمة.

هذا الأمر يعطي الكثير من التساؤلات، عن المدى الذي وصلت إليه الحيادية والموضوعية، في مؤسسة كان الكثير يعتبرها المدرسة الأهم في الصحافة العالمية والأقرب للحيادية، لكن الكثير من الصحفيين والكتاب السوريين، اعتبروا بأن هذا الأمر لم يكن سوى أكذوبة تم تداولها لعشرات السنيين وترسخت في أذهان العامة. 

وحول هذا الموضوع يقول الكاتب والإعلامي السوري "نجم الدين سمان": "كانت مؤسسة بي بي سي البريطانية أول من أطلق مصطلح "الحياد الإعلامي" تحت ذريعة المهنيّة، وحين طبقته، كانت أول من أطلقت مصطلح "الشرق الأوسط" بدلاً من "العالم العربي" لتضمَّ إسرائيل إليه!، وكذلك مصطلح "عرب 1948" وغيرها من سلسلة مصطلحاتٍ إعلامية طويلة، رَدَّدها كالببغاوات؛ حتى الإعلاميون العرب المناهضون لإسرائيل والمدافعون عن القضية الفلسطينية!".

وأضاف "سمان" في تصريح لـ"زمان الوصل": "حادثة أنطوان خوري ليست الوحيدة في سلسلة انحياز بي بي سي لنظام الأسد، فمنذ مراسلها في دمشق الذي لا تُعيّنه هي كمؤسسة إعلامية، بل يُعيِّنه الأمن الأسدي وتوافق عليه هي وسواها أيضاً، كان واضحاً وقوف تلك الهيئة الإعلامية المُعولمَة ضدّ خيارات الشعب السوري وآماله، بل إنها قادت الاحتواء المُزدوج لثورات الربيع العربي الذي اتفقت عليه كلّ المافيا الدولية لحرف تلك الثورات عن مساراتها السلميّة المُطالِبَة بالحرية والكرامة والعدالة الإنسانية".

وأوضح بأن لا حياد في الإعلام، وكلّ ما عدا ذلك، لعبة إعلام مُعولم تمَّ بالتمويل وبمصطلح "حيادية المهنة" شراءُ ضمائر إعلامييه، ثم سينكسر الكأسُ ذات مرّةٍ مع خوري وسواه ليتكشَّفَ للجمهور ذاكَ السُمُّ الحيادي في دسم المهنيّة الإعلامية!، وختم الكاتب "سمان" بالقول: "محطة بي بي سي مهنية جداً، ولكنها غير حيادية على الإطلاق".

أما الكاتب والإعلامي السوري "إبراهيم الجبين" فيؤكد بأن "بي بي سي" تمثل اليوم إحدى أهم معايير القياس العالمية في تاريخ الإعلام العالمي. فهي المؤسسة التي تخرّج من خلف ميكروفوناتها ومكاتب محرريها كبار الإعلاميين من مختلف الجنسيات. وهي المؤسسة التي لطالما فخرت بأنها تقول الحقيقة فقط وبشكل حيادي، وأنها المؤسسة التي لا تتبع حتى للحكومة البريطانية أو للتاج البريطاني.

وفيما يخص التصاق صفة الحيادية في أذهان العالم تجاه "بي بي سي"، يعلق "الجبين" بالقول: "نشأت لهيئة الإذاعة البريطانية هذه السمعة الرفيعة بعد الحرب العالمية الثانية، بعد تأسيسها أواخر العشرينيات بسنوات قليلة. فقد كانت في زمن الحرب الكونية تمثل الحلفاء (صوت الحق) مقابل الإعلام الألماني النازي الغوبلزي (صوت الباطل). و(صوت المظلومين) إزاء (صوت مرتكبي المجازر والهولوكوست). 

فانتشرت في كل مكان في العالم، وفي كل بيت ومقهى أراد متابعة الحرب ويومياتها. ومن هنا بات النظر إلى "بي بي سي" يحظى بصورة نمطية مسبقة تفترض أن الإذاعة ستقول الحقيقة، حتماً، في كل ملف تفتحه، ولكن هذا لم يحصل طيلة الوقت".

وتابع: "حياد هذه المؤسسة مسألة فيها وجهة نظر. ما يجعل فكرة الحياد الإعلامي بحد ذاتها مسألة فيها وجهة نظر. حيث إن "بي بي سي" تعتبر نفسها حيادية لأنها فقط "مؤسسة إعلامية لا تتلقى أي دعم حكومي لا من الحكومة البريطانية ولا من حكومة أخرى. تمويلها يأتي بشكل مباشر من جيب المواطن البريطاني. لكن هل هذا يكفي أن تكون المؤسسة محصنة تجاه الميل والانحياز في معالجتها للملفات المختلفة؟".

*وهم الحياد الإعلامي
يقول "الجبين": كثيراً ما طرحتُ شخصياً فكرة (وهم) الحياد الإعلامي. واستعملت مثل بي بي سي في هذا السياق، متسائلاً: هل كانت بي بي سي حيادية تجاه النازية والهولوكوست؟ وهل يصح أن تكون حيادية أصلاً تجاه هكذا نوع من التغطيات؟ هل كان تحرير كل خبر في تلك الفترة يخضع لمبدأ الحياد في التعامل مع طرفين متنازعين العالم والنازية؟. وما حدث ويحدث في سوريا من مجازر ومذابح وقصف كيماوي ودمار واعتقالات وموت تحت التعذيب لا يقل خطورة عن الهولوكوست ذاته".

وحول تبني بعض المؤسسات الإعلامية السورية الثورية منطق الحياد في الوقت الذي نجد فيه أعرق المؤسسات الإعلامية تنحاز لمصالحها، فهل من مصلحة تلك المؤسسات أن لا تنحاز لقضيتها العادلة؟. يرد "الجبين" قائلاً: "الإجابات لن تكون في صالح من توهموا طويلاً حياد بي بي سي وبنوا عليه افتراضات وشروطاً على مؤسسات الإعلام في أنحاء العالم، حتى وصلت الأمور إلى درجة أن يطلب بعضهم من مؤسسات الثورة السورية أن تكون حيادية تجاه تغطية أخبار النظام، بحكم كونها مؤسسات إعلامية يجب أن تحذو حذو بي بي سي. ونقول اليوم لهؤلاء: أين ذهبت نظرياتكم عن الحياد وأنتم ترون بي بي سي وهي تنحاز من خلال مادة لا يتحمل المذيع الخوري وحده المسؤولية عنها، بل إن الرجل لم يخرج عن خط لطالما انفضح في مرات سابقة في بي بي سي؟".

ويضيف: "الحقيقة أن مؤسسات إعلامية كبرى مثل بي بي سي تصرفت كمؤسسات تجارية واتبعت البراغماتية من أجل أن تمشي أمورها في عواصم الدول التي تحكمها الديكتاتورية، لكنها حين تدهورت الأمور، واصلت نهجها دون أن تنتبه إلى أن مصداقيتها قد بدأت تتآكل شيئاً فشيئا. وربما لا يعرف كثيرون أن هناك مؤسسات إعلامية معادية لنظام الأسد في عواصم غربية عديدة، ما تزال تستقطب موظفين من قلب النظام قادمين من دمشق، يحدث هذا في واشنطن وفي أوروبا. وهنا نعود للسؤال: أين الحياد الأخلاقي والسياسي في مدونة السلوك اللا أخلاقية هذه؟".
وأنهى "الجبين" حديثه بالقول "من هنا أرى أن ما قلناه من قبل وعلى مدى أعوام الثورة وفي جميع الملفات الإعلامية التي ناقشها السوريون، حول أثر الثورة السورية العالمي، وكيف أن المشهد السوري ليس محلياً ولا عربياً وحسب، بل تمكن من تغيير العالم بالفعل، وهو يقوم بتغييره كل يوم بفعل تصادم قيم العالم الحقيقية في الواقع والقيم النظرية التي لطالما صدع رؤوسنا بها زوراً. هناك من يشاهد في الكوكب، ولابد أنه يحضّر الرد المناسب يوماً ما".

*"بي بي سي" تتناقض مع مبدأ الحيادية 
الصحفي والحقوقي السوري "منصور العمري" علق على موضوع "خوري" من الناحية القانونية: "إن مذيع قناة بي بي سي حين قال للجمهور إن الأسد شرعي حسب الأمم المتحدة، فهو صحيح من وجهة نظر الأمم المتحدة، أما قوله إن الجيش الحر مصنف إرهابيا، فلا أساس له من الصحة".
وأوضح بالقول: "من محددات شرعية الحكومات هي فعالية الحكومة وتواجدها على الأرض ومستوى فرض سلطتها في البلاد، والمساندة الشعبية لها وقدرتها على الالتزام بمسؤولياتها الدولية، لكن أياً منها لا ينطبق على نظام الأسد".

وأكد "العمري" بأن ما قاله "خوري" فيما يخص الجيش الحر يعتبر في سياق معلومات خاطئة، وعادة ما يعتذر صاحب الخطأ أو الوسيلة الإعلامية أو تصحح معلوماتها الخاطئة علنا، وإن لم تفعل ذلك، تعتبر موافقة على المعلومة الخاطئة.

واعتبر بأن" موافقة "بي بي سي" على هذا الخطأ يمكن أن ينظر إليه أنه غير بريء وفي سياق محاباة طرف ضد آخر وتضليل الرأي العام، وهو ما يتناقض مع مبدأ حيادية ونزاهة الإعلام، خاصة وأن بي بي سي ليست مملوكة لشخص أو مؤسسة بل يمولها الشعب البريطاني، ومن الخطورة بمكان النظر إلى قناة يمولها الشعب البريطاني على أنها موالية لنظام ارتكب ولايزال كل تلك الفظائع كنظام الأسد".

يشار إلى أن "بي بي سي" دأبت على بث أخبار مزيفة من سوريا مصدرها النظام، ولعل الحادثة الأشهر هي وضع فيديو لقصف أحياء حلب على أنه قصف "مجموعات المعارضة المسلحة"، وكان في صدر النشرة الأخبارية وكان المذيع يقرأ الخبر وفقاً لمصادر النظام، في حين أن الفيديو ما هو إلا البراميل والصواريخ التي أطلقها النظام على رؤوس المدنيين في حلب.

وهو ما يؤكد وفق الكثير من الصحفيين السوريين، بأنه رغم اعتراف المحطة حينذاك بخطأ الفيديو، إلا أنها لم تعترف بأنها أخطأت بنقل الخبر من مصدر واحد، فالأمر ليس مجرد خطأ تقني، بل الانحياز لطرف على حساب الطرف الآخر وتبني وجهة نظر النظام في الخبر، وما حصل مع "خوري" ليست مجرد هفوة، بل هو خط عام لـ"بي بي سي"، لم تعترف به، بل مستمرة عليه.

مؤيد أبازيد - زمان الوصل
(95)    هل أعجبتك المقالة (137)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي