أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

التدخل التركي بين "بي بي سي والقانون الدولي الإنساني*

من معركة عفرين - جيتي

يحق للحكومات الشرعية في "القانون الدولي الإنساني" طلب المساعدة العسكرية الخارجية من حكومة أخرى، ولكن يجب أن يكون طلب التدخل دون أي ضغط، ويجب أن يأتي الطلب من طرف الحكومة الشرعية. إلا أن الشرعية لاتبقى دائماً إلى جانب الحكومات القائمة، ففي حالة حق الشعوب في تقرير مصيرها تصبح الشعوب هي الشرعية لا الحكومات، وهذا ما فشلت الأمم المتحدة في النظر إليه بسبب الفيتو الروسي، وضربت مبدأ سيادة الشعب لا الحكومة عرض الحائط.

في الحالة السورية حسب الأمم المتحدة، حكومة الأسد مسؤولة عن قصف الشعب السوري بالكيماوي، وبالصواريخ بعيدة المدى وبالبراميل عشوائيا، واعتقال وتعذيب وقتل تحت التعذيب مئات آلاف السوريين، ولايزال شرعيا بنظرها، لكن وفقا لملايين السوريين الذين هربوا من نظام الأسد هو قاتل ومجرم حرب وغير شرعي، بالإضافة إلى أنه استلم مقاليد الحكم في سوريا بشكل غير شرعي أيضا. استمرار الأمم المتحدة في اعتبار الأسد رئيسا شرعيا، لا يجعله شرعيا بنظر الملايين من ضحاياه، ولكنه يُفقد الأمم المتحدة مصداقيتها واحترام الشعوب لها، ويثبت فشلها الذريع في حماية البشر.

استمرار نظام الأسد باعتباره عضواً في الأمم المتحدة، لا يكسبه شرعية بل ينزع الشرعية عن معايير الأمم المتحدة وجدوى وجودها.

من محددات شرعية الحكومات هي فعالية الحكومة وتواجدها على الأرض ومستوى فرض سلطتها في البلاد، والمساندة الشعبية لها وقدرتها على الالتزام بمسؤولياتها الدولية، لكن أيا منها لا ينطبق على حكومة نظام الأسد.

من هذا المنطلق، عندما قال مذيع قناة "بي بي سي" "أنطوان خوري" إن الأسد شرعي حسب الأمم المتحدة، فهو صحيح من وجهة نظر الأمم المتحدة، أما قوله إن "الجيش الحر" مصنف كإرهابي، فلا أساس له من الصحة.

يعتبر ما قاله في هذا السياق معلومات خاطئة، وعادة ما يعتذر صاحب الخطأ أو الوسيلة الإعلامية أو تصحح معلوماتها الخاطئة علنا، وإن لم تفعل الوسيلة الإعلامية ذلك، تعتبر موافقة على المعلومة الخاطئة. موافقة "بي بي سي" على هذا الخطأ يمكن ينظر إليه أنه غير بريء وفي سياق محاباة طرف ضد آخر وتضليل الرأي العام، وهو ما يتناقض مع مبدأ حيادية ونزاهة الإعلام، خاصة وأن "بي بي سي" ليست مملوكة لشخص أو مؤسسة بل يمولها الشعب البريطاني، ومن الخطورة بمكان النظر إلى قناة يمولها الشعب البريطاني على أنها موالية لنظام ارتكب ولايزال كل تلك الفظائع كنظام الأسد، فقد يبدو أن الشعب البريطاني يدفع المال لهذا المذيع كي يروج لنظام الأسد أو يدافع عنه، وهو بالتأكيد ما يرفضه الشعب البريطاني، خاصة وأنها ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها قناة "بي بي سي" العربية لانتقادات تجاه سياستها في تغطية الشأن السوري.

إن كان المذيع يعتمد على مبادئ الأمم المتحدة معياراً، فقد أخطأ مرة أخرى بوصفه التدخل التركي في سوريا على أنه احتلال. هذا الخطأ ناتج عن جهل في التسميات أو عن محاولة لدس رأيه الشخصي لجمهور "بي بي سي". 

تعرف المادة 42 من قواعد لاهاي لعام 1907 الاحتلال كالتالي: "تعتبر الأرض محتلة عندما توضع عملياً تحت سيطرة الجيش المعادي. ويشمل الاحتلال فقط الأراضي التي تم فيها تأسيس تلك السيطرة وأمكن مزاولتها".

لا ينطبق هذا التعريف على التدخل التركي في سوريا، كما وصفه مذيع "بي بي سي".

يمكن النظر للتدخل التركي في سوريا من خلال تعريف العدوان حسب الجمعية العامة للأمم المتحدة وهو "استخدام القوة المسلحة من جانب دولة ضد سيادة دولة موحدة الأراضي الإقليمية، أو الاستقلال السياسي لدول أخرى أو بأي طريقة لا تتماشى مع ميثاق الامم المتحدة". تستثني الأمم المتحدة عدة حالات يعتبر فيها التدخل مشروعا، من بينها جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، كل تدبير أو تحضير أو مباشرة لحرب عدوانية، كل مساهمة في خطة عامة أو مؤامرة كارتكاب أحد الأفعال السابقة، تنظيم سلطات الدولة عصابات مسلحة للإغارة على إقليم دولة أخرى أو السماح بذلك التنظيم أو تشجيعه، تنظيم نشاط إرهابي منظم ضد دولة أخرى أو تشجيعه، ارتكاب سلطات الدولة أفعالا على خلاف التعهدات الملقاة عليها بناء على معاهدة سلم وأمن دوليين. 

كما تجيز المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التدخل العسكري كالتالي: "ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينقص الحق الطبيعي للدول فرادى أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلَّحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة، وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين، والتدابير التي اتخذها الأعضاء، استعمالا لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورا، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس –بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمدة من أحكام هذا الميثاق- من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال، لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه".

كل ما سبق لا يبرر أي جريمة خلال التدخل العسكري للدول، كاستهداف المدنيين وغيره.


*منصور العمري - صحفي وحقوقي سوري
(150)    هل أعجبتك المقالة (156)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي