الخائن.. أبو صكار الإدلبي.. عدنان عبد الرزاق*

من معارك إدلب - جيتي

أقرّ وأعترف بعدم تخصصي العسكري والتخطيطي، بيد أني ورغم جهلي، لا أعتقد من الحكمة والحنكة، أن يتم نشر خطط المعارك ومواقع المقاتلين والذخائر التي تم اغتنامها، بل ولا حتى السماح بنشر أي صورة تدلل على وضع المعارك والمقاتلين أو مواقعهم، وأما أن يتم، فذلك موضع استفهام وتعجب، إن لم نقل أكثر.

كما أقر بجهلي الافتائي، لكني ورغم ذلك، لا أعتقد أن الثوار بإدلب، قد خرجوا لنصرة الحسين أو عائشة رضي الله عنهما، أو خرجت الثورة السورية لأسباب روحية، وكل ما كساها وتم تسويقه عنها، إنما جاء لاحقاً وبقصدية، لها من نظام الأسد، بقصد تحريفها وتشويه منطلقها ومنتهاها، وأما أن يتم تسويق المعارك أنها لعودة المسلمين للأندلس وحدود سور الصين، فهذا ما يبعث على الاستغراب والشك بآن.

واقع الحال أن ثمة أطرافا، سورية وخارجية، تؤثر بعد كل الذي حصل، على تسويق ثورة السوريين، على أنها حركة تطرّف يقودها إرهابيون للتمرد على الحكم الشرعي، وكلما تكشّفت مرامي نظام الأسد وحلفائه، إن بقمع الحريات وقتل السوريين أو تسليم أجزاء من سورية لمحتلين خارجيين، يتبرع بعض المحسوبين على الثورة، ليقدم ذريعة جديدة، لتنفي، وإن لمن يهمهم الأمر، عدالة الثورة وتشوه أسباب خروج السوريين، على الظلم وسوء العدالة وتوزيع الثروة، بل والحكم الوراثي الممتد، لنيف ونصف قرن من الزمن.

قصارى القول: ما إن اعتدلت كفة المعارك بإدلب، ودحر الجيش الحر الغزاة عن مطار "أبو الضهور"، حتى انتشرت بعض مقاطع الفيديو الإجرامية، مشفوعة بخطب ووعيد، كالنار بالهشيم، لتقول لكل المتربصين، انظروا إلى ثوار سورية، إنهم مجرمون وأكلة لحوم البشر، بل وانتقاميون وإقصائيون...فكيف يمكن نصرتهم أو الانتصار لهم؟

وبدأ، كل الموكل إليهم بمهام وأدوار وظيفية، وخاصة ضمن من يسمون "مجاهدين" بتسويق معارك ريف إدلب الجنوبي، على أنها معركة ثأرية، وما اندلعت إلا لإنصاف أمهات المسلمين من كيد الصفويين المجوس، بل وأكثر، للحد الذي رأينا خلاله، التشويه بالجثث وإطلاق خطب وصرخات، لا تشبه ولا بأي حال، السوريين ومبعث ثورتهم.

وليكتمل المشهد، تلقف، من هم على الضفة الأخرى، وممن يهمهم الأمر، المشاهد والتسجيلات، ودارت الآلة الإعلامية، للتأكيد على أن ما يجري بسورية ليست ثورة، وما هؤلاء، إلا شذاذ آفاق جاؤوا من الأقاصي لتشويه الإنسانية برمتها.

لتغيب بالآن نفسه، جميع الحقائق، التي لابد أن تبدأ من أن نظام الأسد من عسكر الثورة وأسلمها، عبر القتل وإطلاق سراح المتأسلمين الذين رباهم وهيأهم بسجونه، مروراً بأن إدلب باتت ملجأ لكل المبعدين عن مدنهم وقراهم ضمن حملات التغيير الديموغرافي العلانية، بل والتي تمت بإشراف أممي، وصولاً إلى أن الغزاة على إدلب، وبشكل مكشوف وواضح، هم من خارج البلاد ويرفعون شعارات طائفية وصيحات نكوصية وثأرية، وأنهم جاؤوا لاحتلال إدلب وتشريد شعبها والمبعدين فيها، ولم يذهب أهل إدلب وثوارها إلى "قم" أو "كابول" أو الضاحية الجنوبية ببيروت.

ثمة ما يوجب ذكره هنا، ربما أهمه أن الشعب البسيط المقهور بإدلب وغيرها، وصل من الضغط والفقر والتمويت، ما يدفعه أحياناً للانسياق مع بعض الشعارات الانتقامية، هذا إن لم نأخذ عامل التخويف وسطوة من لا يمت لإدلب والثورة بأي صلة، إن على الشعب أو الإنابة عنه بالتصريح والتمثيل والتسويق.

كما أنه وبكل معركة ينتصر خلالها الثوار، يعاد السيناريو ذاته، تدخل أطراف لم تشارك بالقتال لتتبنى النصر، ومن ثم لتسوّق رؤاها وأهدافها وأحقادها، وتلبسها للشعب السوري، وهو، وبعد التكرار والحقائق والدلائل، لم يعد عفوياً أو ارتجالياً، بل هي أعمال قصدية مخطط لها من نظام الأسد الذي يزج ببعض مخابراته بقيادات تلك الجماعات، أو من الدول الإقليمية والدولية التي لا يمكن أن تسمح بانتصار الثورة السورية، ولأسباب لا حصر لها، إن بدأت من قطع أرزاقها وفشل مخططاتها بتقسيم واحتلال سورية، لا تنتهي -الأسباب- عند تطاير شرر الحرية لدول مجاورة وبعيدة، فتأتي على عروش من ورق وهياكل مستبدة تتحكم بمصائر وأرزاق شعوبها.

نهاية القول: ربما لم ينس السوريون بعد، تلك الحملة التي بدأها نظام الأسد، واستغلها كثيرون وبمقدمتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقت تم نشر فيديو "أبو صكار" عام 2013، وكيف تم تسويق الثوار على أنهم آكلو لحوم البشر.

وهنا لم نحاجج على مبدأ المثل ونسأل عن آلاف الفيديوهات التي نشرها الأسد متعمداً، لتغيير وجه الثورة، سواء عن حالات تعذيب السوريين أو ركوعهم لربهم بشار، أو حتى صور القتلى تحت التعذيب ولا حتى قتلى الكيماوي بالغوطة من المدنيين والذين نافوا 1400 قتيل مدني بليلة واحدة.
ببساطة لأن العالم بمعظمه، لم ولن ولا يمكن أن ينصر السوريين، ففي الوقت الذي تاجر خلاله بمقطع "أبو صكار"، رغم الأسئلة الكثيرة حوله، أشاح بوجهه عن كل الجرائم الأسدية والإيرانية والروسية، والتي ما ذكرنا منها، غيض تم كشفه من فيض مازال مجهولاً.

اليوم، ثمة صورة كاب ثابتة لمقاتل مكتوب تحتها "سيلفي وأسير مجوسي خلفي" وأخرى فيديو لمقاتل يجز عنق أسير وغيرها لجثث منتشرة وخطيب بلهجة غير سورية، يتوعد بنصرة الدين الحنيف وقهر "المجوس والمشركين".

وهذه المشاهد جميعها، لا تمثل سورية ولا السوريين أو ما خرجوا لأجله، بل ولا حتى قيم الإسلام الذي يدعيه من اخترق صفوف الثوار لدور وظيفي، بل هي خناجر بخواصر الثورة، يتم غرزها بحكمة وعناية وتخطيط وحسن توقيت، كلما انتصر الثوار وتعرّى الأسد وحلفاؤه.

*من كتاب "زمان الوصل"
(178)    هل أعجبتك المقالة (181)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي