لماذا تصمد "حرستا" المدينة الصغيرة في وجه صلف القوة الروسية والتابعة للنظام وميليشياته، بينما تتقهقر جبهة كبيرة تعتبر من أكبر خزانات الثورة البشرية والاقتصادية في أرياف إدلب، حيث تنتشر الفصائل العسكرية تحت رايات وشعارات مختلفة.
هذا السؤال يدور اليوم في أذهان أغلب المتابعين لوضع الثورة العسكري بعد أن خسرت في السنتين الأخيرتين مناطق شاسعة كانت تحت سيطرتها ولأسباب عدة، ولكن في معركتي إدلب وحرستا يبدو الحال مختلفاً على اعتبار أنهما تداران بتزامن واحد، ولهدف روسي واحد هو إرغام السوريين على الرضوخ للأسد، والمشاركة بمؤتمر "سوتشي" تحت شعار القبول به، وأما على الصعيد العسكري فيستخدم النظام في المعركتين كل قدرته التدميرية والنارية بمؤازرة روسية وإيرانية كبيرة.
ويبقى السؤال: ما السر في صمود حرستا رغم حصارها المطبق؟.
العارفون بجبهات قتال الغوطتين الشرقية والغربية أنهما صلدتان وعصيتان على نظام الأسد، وأن ما سقط منها جاء إما بتخاذل من الممولين وإرادتهم، أو حصار الحاضنة الشعبية وتجويعها، والبقية بتوازنات دولية جاءت تحت عناوين خفض التصعيد ووقف إطلاق النار، والحالات الإنسانية، والذاكرة القريبة للسوريين شاهدة على صمود مدينتي "المعضمية" و"داريا" كعلامتين فارقتين في نضال السوريين ضد الأسد وحلفائه.
وهذا التحليل لا يبخس إدلب حقها في كونها أهم قلاع الثورة، وأول المنتفضين، وهي من دفعت سابقاً وحالياً فاتورة كبيرة لأجل الخلاص من الطاغية وحرسه، ولكننا اليوم أمام مفصل كبير في عمر ثورة السوريين لا مجال فيه لتخاذل أو تناحر، وما يتم تناقله من صمت بعض الفصائل وارتهان بعضها لأوامر خارجية يجعل من جبهة إدلب خاصة رخوة قد تصيب الثورة بمقتل كبير.
كيف استطاع النظام الدخول إلى أكثر من مائة قرية في الريف الإدلبي الصلب، ولماذا يمنع الأهالي فصائل الثورة ومن تحت راياتها من دخول قراهم..هل ثمة شرخ صنعته أيام الهدوء بين المقاتل والمواطن، وهل ممارسات هذه الفصائل بحق الأهالي هي التي أودت إلى ما هي فيه؟.
هذه الأسئلة هي نفسها الإجابات على هذا التدهور الكبير، نعم مارس البعض عنجهية السلطة ضد الناس في كثير من مناطق الثورة وإدلب إحداها، ونعم هناك من استثمر الثورة واستغلها، وتفجيرات مدينة إدلب الأخيرة شاهد على اختراق كبير يجب تفاديه، وإلا هلكت إدلب وانتصر النظام، وبالتالي هلكنا جميعاً.
اليوم ومنذ الفجر بدأت فصائل إدلب معركة معاكسة لاسترداد ما أخذه النظام الذي بات على تخوم مطار (أبو الظهور)، وتسريبات عن عملية كبيرة لهذه القوات من الممكن أن تحدث مفاجأة كبيرة لجيش النظام وتتركه محاصراً، وبالتالي سيهزم جيش "النمر" هزيمة نكراء، وتستعيد إدلب ألقها.
بانتظار أن يحدث هذا، وهو ما يمكن أن يرمم الصورة المترنحة لجبهات إدلب على خلاف اتجاهاتها، وإلا فإن ما ستؤول إليه الأمور أكبر من كارثية لا سمح الله.
*ناصر علي - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية