لا يمكن الجزم بتوافق المواقف الروسية من القضية السورية مع رؤى نظام الأسد والتوجهات الإيرانية، بل يمكن القول إن تباينات واضحة برزت خلال سنتين ونيّف من عمر التدخل الروسي في سورية، كان محورها كالعادة تضارب المصالح والتنافس على التحكم بقرار الأعمال العسكرية ومساحة النفوذ.
يبدو النظام السوري ميالا باتجاه التنسيق الكامل مع إيران ولو اضطره ذلك للامتعاض (وهو لا يملك أكثر من ذلك) من القرارات الروسية، ولم يعلن مرة هذا الامتعاض بل ترك الإعلان عنه لأنصاره عبر منافذهم الإعلامية المحدودة.
أكثر ما أزعج النظام من الفعل الروسي في سورية موضوع المصالحات والهدن التي رعتها روسيا دون مشاركته، وهذا الأمر تكرر مرات عديدة في حمص وريف دمشق وحلب.
إيران ونظام الأسد ميّالان لاستمرار الحرب والمعارك ضد "الإرهابيين" حتى فرض السيطرة على كل الأراضي السورية، رغم أنهما عقدا بعض المصالحات في مناطق لا يعتبرونها ذات أهمية كبيرة لهما، وكانا حريصين على قتال المعارضين في محيط العاصمة التي تصر إيران على أن تكون في ظل نفوذها، وامتعضت من هدنة الغوطة الشرقية التي أعدتها روسيا ومصر، وكثيرا ما اخترقتها مع النظام بهدف استجرار ثوارها إلى فتح معارك تتيح لهما توسيع رقعة نفوذهما فيها وهما الأقوى والأقدر على تحقيق التقدم في ظل شرذمة الثوار وصراعهم البيني.
تراجعت مع التدخل الروسي سلطة القرار الإيراني في الحرب السورية، رغم أن ميليشيات إيران وتلك التي تتبع لها تنتشر على غالبية المساحة السورية، إلا أن قرار الفعل والحركة يبقى في يد الروس، الأمر الذي أثار حفيظة إيران لا سيما أن الروس جرّوها إلى لقاءات الأستانة التي رسمت حدود نفوذ وسيطرة كل طرف، وزاد من حرجها أنها باتت دولة ضامنة لاتفاقات الهدن، ولن تكون روسيا راضية عنها إن هي خرقتها.
لم يكن حال الأسد بأفضل وقد أذّله الروس باستدعائه وحيدا إلى موسكو وحميميم مرات عديدة من قبل بوتين ووزير دفاعه، وربما من قبل ضباط في القاعدة الروسية ومعاملته كموظف صغير، وفرضوا عليه التوقيع على ما كتبوا من عقود اقتصادية وعسكرية.
لا تهتم إيران لإذلال الأسد ولكنها كبتت غيظها من عدم السماح له باصطحاب بثينة شعبان أو بشار الجعفري إلى تلك اللقاءات، وخسارتها فرصة معرفة ما جرى فيها بدقة، وهي التي فرضت على الرئيس وجود إحدى الشخصيتين في أي لقاء سياسي يعقده باعتبارهما تتبعان لإيران، وتشكلان عينا لها على تحركات وأنفاس الأسد.
في معارك سوريا خلال السنتين الماضيتين تكرر الإعلان عن قصف روسي (بالخطأ) مواقع عسكرية إيرانية على الجبهات المشتعلة، ولا يمكن لعاقل أن يصدق أن تكرار استهداف ميليشيات إيرانية كان خطأ، أغلب الظن أن استهدافها كان بهدف ضبطها بالإيقاع الروسي.
الأيام القليلة الماضية شهدت أحداثا بارزة من جهة الحلفاء المعلنين روسيا وإيران ونظام الأسد تمثلت بإسقاط طائرتين روسيتين، وأخرى للنظام، كما انفجرت مرابض مدفعية النظام في قاسيون، وترددت الطائرات الروسية كثيرا في مساندة قوات الأسد والميليشيات الإيرانية في معركة حرستا وإدارة المركبات، أكبر الأحداث كان حادثة تفجير الطائرات الروسية في حميميم ليلة رأس السنة، وأحدثها تصدي المضادات الأرضية الروسية مساء ليلة الجمعة 5/1 بثلاثة صواريخ أرض جو لطائرة مسيّرة حلّقت في سماء حميميم وإسقاطها في مدينة جبلة القريبة.
كل هذا يشير إلى أن "شيئا ما يحترق" ضمن الحلف الإجرامي، وهذا الإصبع قد لا يكون دخيلا، بل يغلب الظن أن عمليات انتقام داخله بدأت ولن تأخذ الشكل العلني الذي يضر بأطرافه جميعا، لذلك بادروا لنفي أغلب الأحداث المذكورة، ولاحقا اتهام جهات مجهولة بارتكابها.
يصعب تصديق اتهام ما يسمى "حركة أحرار العلويين" بتنفيذ تفجير حميميم لا سيما أن الحركة مجهولة، ويرجح أنها وهم اخترعته مخابرات الأسد، وليس من السهل هضم فكرة قيام فصيل معارض بذلك لأن فصائل المعارضة أضعف من ذلك، أما أن تقف أمريكا وراء الأحداث المذكورة (حسبما أشارت بعض التخمينات) فهو أمر مستبعد بشدة لعدم وجود أسباب تستدعي المواجهة بين الطرفين وهما ينسقان ويوجهان الأعمال العسكرية في سوريا من الجهتين.
يبقى أكثر الاحتمالات إقناعا هو العبث الداخلي بين الشركاء وتبادل الرسائل غير المعلنة بينهم، وفي هذا السياق كتب أحد أنصار الأسد معلقا على خبر تفجير قاعدة حميميم العسكرية ساخرا أو جادّا، "لك اسكتوا مين بيقدر بيوصل لهون، بحضّي ما حدا سواها غير قايدنا، عم ينتقم لكرامتو من هالمن--- بوتين".
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية