وثق مستند مخابراتي حالة الهوس الشديد الذي صبغ تعامل نظام الأسد مع كل ما له علاقة بالدين من قريب أو بعيد، صغيرا كان هذا الشأن أم كبيرا، وحرصه على زرع العملاء داخل "جميع التنظيمات الدينية".
الوثيقة المخابراتية العائدة لشهر شباط/فبراير من 2007، عرضت وقائع اجتماع دوري ضم رؤساء أقسام ومفارز فرع 271 (المخابرات العسكرية-فرع إدلب)، وفي مقدمتهم العميد أحمد فارس ونائبه العميد نوفل الحسين.
وقد تم خلال الاجتماع استعراض الوضع السياسي والعسكري، وصولا إلى "الوضع الأمني" الذي استحوذ على القسط الأكبر من جدول أعمال الاجتماع، وبواقع 26 بندا، نصفها تقريبا خصص للبحث في قضايا متعلقة بالتيارات الإسلامية على اختلاف تصنيفاتها وتوجهاتها، دون إغفال مسألة "متابعة نشاط رجال الدين المسيحي"، حسب منطوق الوثيقة.
*أدوات وتبعات
تكشف الوثيقة أن مخابرات الأسد لم تستثن أي تيار أو اتجاه ديني (إخوان، سلفيون، صوفيون...)، ولم تترك حقلا من حقول النشاط إلا أصرت على مراقبته (خطب، دعوة، تحفيظ قرآن، جهاد، تدريس...)، مخضعة الجميع تقريبا لنفس المعاملة القاضية بـ: متابعة نشاطاتهم، إجراء الدراسات عنهم، لقائهم ومحاورتهم، محاولة استمالتهم لطرف النظام، وزرع عملاء المخابرات في صفوفهم.
وتنص الفقرة رقم 15 تحت بند "الوضع الأمني" بكل صراحة على: "استقطاب أكبر عدد من المصادر والمندوبين الجدد، وتنشيطهم للعمل الأمني في جميع التنظيمات السياسة والدينية المختلفة".


ويعطي التدقيق في الوثيقة صورة واضحة عن اعتماد النظام سياسة "رباعية الأوجه" في تعامله مع التيارات الإسلامية على اختلافها، وتقوم هذه السياسة على: المراقبة، الفرز، الاحتواء، الاختراق، ولكل من هذه الوجوه الأربعة أدواته، كما إن لكل منها عواقبه وتبعاته.. تبعاته التي انكشف جزء منها بعد عدة أعوام إبان اندلاع الثورة السورية.
ويتفق فحوى الوثيقة التي نعرضها في تقريرنا الحالي، وإلى حد كبير، مع مضمون وثيقتين مسربتين (ويكيليكس)، الأولى تعود إلى 2010، وتدور حول اجتماع وفد أمريكي بنائب وزير خارجية سوريا، حضره مدير المخابرات العامة (حينها) "علي مملوك"، والثانية مؤرخة في آب/أغسطس 2007، وتنقل طرفا من حديث جرى بين رئيس الحكومة العراقية (آنذاك) "نوري المالكي" و"بشار الأسد".
ففي الوثيقة الأولى يتفاخر "مملوك" أمام الأمريكان بـ"30 عاما من الخبرة السورية في محاربة الجماعات المتطرفة"، معقبا: "من حيث المبدأ، نحن لا نعمد إلى مهاجمتهم أو قتلهم على الفور، بل نزرع عملاءنا داخلهم، ثم نتحرك في اللحظة المناسبة".
أما الوثيقة الثانية فتؤكد أن بشار أخبر "المالكي" خلال إحدى زيارته لدمشق أن الخطر الرئيس على العراقيين والسوريين هو التطرف، قبل أن يستدرك (أي بشار) مطمئنا ضيفه أن أعداد المتطرفين ازدادت، لكنهم لا يتجاوزون الآلاف؛ "ما يجعلهم ضمن حدود أجهزتنا الأمنية، القادرة على ضبطهم والسيطرة عليهم".
*ختاما
خصصت مخابرات الأسد الجزء الأكبر من نشاطها لتعقب ومراقبة واختراق الوسط الديني، بإطاره السني تحديدا، لكن ذلك لم يمنعها من متابعة نشاطات أخرى تجري خارج هذا الإطار، وهو ما توضحه الفقرة 19 من وثيقة شباط/فبراير 2007، التي قضت بـ"متابعة نشاط رجال الدين المسيحي"، في تأكيد على فحوى وثيقة مخابراتية "سابقة" تتضمن توصيف بعض رجال الدين المسيحي (للاستزادة اضغط هنا).
ووثيقة "لاحقة" ستعرضها "زمان الوصل" قريبا حول اختراق مخابرات النظام للقائمين على شؤون الشيعة في سوريا.
*مادة محدثة
إيثار عبدالحق - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية