تشير المعطيات الحالية، وأؤكد على الحالية، إلى رفض قوى المعارضة بشقيها السياسي والعسكري لمؤتمر "سوتشي" المزمع عقده أواخر الشهر المقبل، فبالإضافة للجبهة الجنوبية أعلن أربعون فصيلا مقاتلا رفضهم المشاركة، أما الائتلاف الوطني، فمنذ مطلع تشرين الثاني نوفمبر الماضي أعلن هو الآخر رفضه للمؤتمر واعتبره محاولة للالتفاف أو القفز على مسار جنيف ومرجعيته الأساسية "بيان جنيف1" وقرارات مجلس الأمن اللاحقة.
إن قُدر لهذه القوى أن تُفشل مؤتمر "سوتشي"، فستكون بذلك قد وجهت صفعة لموسكو، وربما ستغضب تركيا، التي تؤيد المؤتمر مادام يستبعد "ب ي د" من المشاركة، ويبدو أن الروس سيراعون رغبة أنقرة في هذا الشأن، وبهذا ستكون المعارضة بشقيها أمام مواجهة هي الأصعب أمام حليف لا يمكن الاستغناء عنه، وأمام عدو يبحث عن تسوية تتوج ما يراه انتصاراً في الساحة السورية، وهو من دون شك لن يتنازل عن ذلك ببساطة، فموسكو لم تنشئ مسار أستانة إلا بعد أن سوت أحياء حلب المعارضة بالأرض، وكانت تدفع لعقد كل جولة من جولات أستانة الثمان بمجزرة أو باتفاق تهجير كما حصل في وعر حمص، وفي وادي بردى بريف دمشق، وقد لا نستبعد أن تدفع باتجاه "سوتشي" بالمزيد من المجازر، وهذا ليس مستغربا من بلد معادٍ كما صنفته المعارضة والفصائل في بيانها الرافض لسوتشي.
لكن المعارضة التي تصنف روسيا بلدا معاديا محتلا، وترفض "سوتشي"، عليها أيضا أن تقدم خياراتها البديلة سياسة أو عسكرة، فلم يعد مقبولا الاستمرار بالنضال حتى آخر طفل سوري في مناطق المعارضة، وإلا فإنهم بذلك يدفعون بمن تبقى من سوريين مؤيدين للثورة إلى حضن الأسد دفعاً، أما كيف سيكون ذلك فهذا على المعارضة التي تصدرت المشهد منذ سنوات أن تقدم الإجابات عليه وتجترع حلولاً أو أن تعلن استقالتها واعتزالها العمل العام، بل على رموزها أن يفرضوا على أنفسهم إقامة جبرية في بيوتهم، ولن تصبح عبارة "ليس بالإمكان أكثر مما كان" مقبولة إلا إذا اتبعت بعبارة "أعلن اعتكافي في بيتي وهذه استقالتي".
ويحق للسوريين بعد أن حصل ما حصل إن أتيح لهم أن يحاكموا النظام والمعارضة معا، فالمعارك الفاشلة البعيدة عن رأس النظام وظهره في الساحل ودمشق أنهكت السوريين وشردت الملايين منهم ودمرت بيوتهم فوق رؤوسهم، ويكفي السوريين ما أترعوا به من تصريحات نارية من متصدري المعارضة.
أخيرا، ما سبق ليس دعوة لقبول "سوتشي" ولا لرفضه، فهذا الأمر يقرره من يتصدر المشهد الآن وعليه أن يتحمل نتائج ما يتخذ من قرارات، وإلا فإن عليه أن يعلن سلفا.. "وهذه استقالتي".
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية