لم يكن 22 من شهر كانون الأول ديسمبر/2016 يوما عاديا في حياة أهالي مدينة حلب، فهو اليوم الذي ارتبط بمأساة إنسانية سيذكرها التاريخ وتمثلت بتهجير نظام الأسد آلاف المدنيين من منازلهم في الأحياء الشرقية نحو الريف الغربي، بعد إعادة سيطرته على أكبر مدن الشمال السوري وتدمير معظم المرافق الحيوية والمنشآت العامة بدعم روسي إيراني.
قبل عام من اليوم كانت حلب على موعد مع محرقة بشرية فتكت بحياة المئات من المدنيين العزل، وأسدلت الستار على مرحلة هامة وغير تقليدية من مراحل الثورة السورية، انتهى فيها تواجد فصائل المقاومة السورية في الأحياء الشرقية من حلب وعدد من الأحياء الغربية، والذي دام قرابة أربعة أعوام من عمر الثورة.
وولّدت هذه الأيام في قلب كل حلبي غصة وحرقة قلب لن تنسى بسهولة مع تقادم الأيام، وشكلت صدمة كبيرة لن ترحل عن أذهان المدنيين والعسكريين في مناطق سيطرة فصائل "المقاومة السورية".
"زمان الوصل" تواصلت مع آخر الشهود على كارثة سقوط مدينة حلب بيد نظام الأسد واستطلعت منهم ملامح الساعات الأخيرة قبيل السقوط، وما عايشوه من لحظات مؤلمة قبل عام.

الناشط الإعلامي "عبد الكريم الحلبي" ينقل اللحظات الحاسمة له في حلب قائلا "كانت آخر أيام في حلب مؤلمه جداً لنا، لاسيما بعد أن علمنا أننا سوف نخرج من مدينة حلب، المدينة التي كبرنا وتربينا وتعلمنا فيها، لقد كانت قلوبنا تخفق بمشاعر مختلطة لا أعرف أهي من شدة الفرح لخروجنا من قلب الحصار والموت تحت القصف، أم الحزن لأننا سنخرج من مدينتنا مهجرين، فيما كانت الدمعة تحبس في العين لرؤية المدنيين يودعون بعضهم البعض".
ويضيف الحلبي لـ"زمان الوصل" "كنت أرى أن المدينة تبكي على خروجنا منها رغم الحصار والجوع والقصف بكافة الأسلحة، وكم كنت أتمنى لو أبقى لكننا خرجنا بتخاذل الجميع علينا، وكانت أصعب اللحظات هي عندما صعدنا بالباصات لنقلنا خارج حلب.. كانت دقائق صعبه على إنسان ترك منزله وترك سنين حياتها وخرج مجبراً".
ويكمل بالقول "دائما نشتاق لبيوتنا لحارتنا المدمرة لشوارع وأزقة حلب القديمة، واشتاق لأصدقائي الذين استشهدوا أمامي ودفنوا بحلب ولم نعد نراهم ولا حتى وهم تحت التراب".
ومن بين عايش تلك المرحلة أيضا المصور الإعلامي من مركز حلب الإعلامي "مجاهد أبو الجود" وهو أحد الخارجين من الحصار نحو الريف الغربي.
يقول أبو الجود لـ"زمان الوصل" "كانت الأيام الأخيرة التي عشتها في مدينة حلب صعبة للغاية، صعبة لأنني كنت على يقين أنها الأخيرة، وذلك لما فعلته صواريخ الأسد بأجساد المدنيين داخل المدينة والصمت الدولي إزاء ماحل بنا".

ويضيف أبو الجود "حاولت إخراج أكبر قدر ممكن من الذكريات معي لخارجها، لأنني لست على علم متى سأعود إليها ثانيةً، كمصور حاولت أن أوثق كل ما أستطيع رؤيته من الشوارع والأحياء اللي ترعرعت فيها، لكن للأسف لم أستطيع أن آخذ معي ذكريات مادية من حلب، سوى كاميرتي الخاصة والصور والمقاطع المرئية التي صورتها داخل حلب".
وحول لحظات التهجير نحو الريف الغربي، قال أبو الجود "خرجنا من المدينة بخير وسلامة وخرج معي من السكان الذين بقوا على قيد الحياة، وهو الربح الأكبر الذي بقي بعد حلب، لكن مع ذلك، هذا الربح تحقق على حساب الفراق والبعد عن الوطن والأرض والتراب وهو أغلى ما كنا نملكه، فالمعادلة للأسف كانت جدا صعبة، إما الموت على أرضك أو البقاء حياً خارجها".
في الأيام الأخيرة التي سبقت سقوط حلب كان نظام الأسد يشن حملة عسكرية وحشية استخدم فيها جميع صنوف الأسلحة المحرمة دوليا من الصواريخ الارتجاجية والقنابل العنقودية والبراميل المتفجرة، الأمر الذي رفع أعداد الشهداء والجرحى خلال اليوم الواحد وشكل عبئا هائلا على فرق الإنقاذ والدفاع المدني.
"ابراهم الحاج" وهو أحد كوادر الدفاع المدني في حلب الحرة يروي أحداث مؤلمة عن الأيام الأخيرة في حلب وكيف كانت فرق الإنقاذ تكابد المعاناة والألم في انتشال الضحايا أمام حجم القصف الهائل.
يقول الحاج "الأيام العشر الأخيرة كانت الأصعب علينا كفريق دفاع مدني في حلب لما شهدته من قصف عنيف جدا، حيث لم نعد باستطاعتنا مساعدة الجميع مع تقدم نظام الأسد إلى منطقة جديدة، كنا نضطر إلى التراجع حيث كان هنالك 75 جثة بقيت تحت الأنقاض ولم نستطع انتشالها".

ويكمل الحاج لـ"زمان الوصل" قائلا: "في الساعات الأخيرة، أصبحنا نتحرك دون آليات جراء فقدان الوقود، وأصبحنا ننتشل الشهداء والجرحى بأيدينا، إضافة إلى عدم وجود سوى مشفى وحيد ولا يستقبل جميع الحالات، جراء ارتفاع عدد الجرحى بشكل غير مسبوق جراء القصف العنقودي".
وحول التهجير وما حدث معه يقول الحاج "تعرضت للأسر من قبل الميليشيات الشيعية الموالية لنظام الأسد أثناء خروجنا من حلب لمدة أربع ساعات، حيث قاموا بمصادرة أغراضي الشخصية، من بينها أرشيف الثورة السورية على مدى خمس سنوات".
ويختم الحاج بالقول "لنا أمل في العودة يوما ما إلى مدينتنا حلب بعد عام من التهجير، فهي لن تنسى من ضحى من أبنائها من أجلها، ونحن كتبنا على جدرانها قبل الرحيل راجعين يا حلب".
عام دام ممزوج بالألم والدموع مر على المهجرين، فهل لهم عودة قريبة مع سقوط نظام الأسد، أم أنها ستصبح كحلم مؤجل محكوم بمصالح الدول والتفاهمات الدولية؟!
يوسف الحلبي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية