"يجب علينا التحدث مع الأسد وممثليه..، الأسد سيبقى هناك لأنه محمي من جانب من كسبوا الحرب على الأرض، سواء أكانت إيران أم روسيا".
التصريحات الآنفة الذكر للرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" هي تأكيد على حقيقة أن الأخلاق والمبادئ الإنسانية العليا تتراجع أمام مفاهيم القوة والمصالح السياسية، وعند الحديث عن القوة لن يكون ضرباً من التنجيم إن قلنا أن الروس هم القوة السياسية والعسكرية الأكثر فعلاً على الأرض السورية، على الأقل ضمن المساحة الممتدة من الضفة الغربية للفرات وصولاً إلى المتوسط، أو ما يطلق عليه سوريا المفيدة، مضافاً إليها المناطق التي سيطرت عليها قوات النظام وميليشيات إيران في محافظة دير الزور بقرار سياسي وغطاء عسكري روسي.
الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، ربما أراد من زيارته إلى قاعدة حميميم التأكيد على هذه القوة، وإيصال رسائل إلى حلفائه قبل خصومه مفادها أن موسكو هي صاحبة الكلمة الفصل في سوريا.
ولكن أياً كانت هذه القوة فلا يمكن لروسيا أن تعلن انتصارها من دون التوصل إلى تسوية تُحبك خطوطها العامة لمصلحتها ومصالح حلفائها.
هذه التسوية تسعى روسيا لجعل "سوتشي" ساحتها، أو على الأقل أن تتحول جنيف إلى منصة شكلية لما تريد موسكو صياغته في سوتشي وأستانا.
ولكن ماذا لو تم إفشال "سوتشي" ولم تحقق أستانا ما يراد منها، وكيف سينعكس ذلك على التطورات الميدانية في مناطق الصراع التي باتت محصورة في ثلاثة أماكن رئيسة هي إدلب والغوطة الشرقية ودرعا؟.
التصورات الأسوأ هي أن تكون واحدة من هذه الساحات منطقة مواجهة مفتوحة، وأهمها إدلب الميدان الأكبر بعدد سكانها المضاعف بحكم استقبالها للنازحين، وهي تمثل القوة العسكرية الضاربة للمعارضة، وقد بدأت تشهد من جهة الجنوب تحركات عسكرية لقوات النظام وميليشيات إيران مع حضور كثيف للطيران الروسي. ورغم هذا لا يمكن تصور مواجهة مع المكان الأخطر الذي قد تصل شظايا الانفجار فيه إلى الساحل السوري، فضلاً عن إغضاب الجار التركي الذي دفعته التطورات للتحالف مع الروس.
درعا، هي الأخرى بدأت تشهد تحركات عسكرية لقوات النظام وعين إيران وميليشيا حزب الله على محور "مثلث الموت" (منطقة التقاء أرياف درعا القنيطرة دمشق)، وهذا المحور هو رأس الحربة في أي مواجهة، فضلا عن تحركات أخرى على محاور "إزرع" و"درعا البلد".
الجنوب منطقة خطرة لأكثر من اعتبار، أولها الحساسية الأردنية من التواجد الشيعي في الجنوب، والرفض الإسرائيلي المعلن، دون إغفال القوة العسكرية للمعارضة هناك، وهذه القوة "يفترض" أنها مدعومة أمريكياً، وقد يبدو مستبعداً أن ترفع واشنطن الغطاء عن كافة حلفائها في منطقة غرب الفرات، لتبقى الخاصرة الأضعف في الجنوب منطقة حوض اليرموك الخاضعة لسيطرة تنظيم "الدولة".
بين الشمال والجنوب تقع الغوطة الشرقية المحاصرة منذ أعوام، وقد أفشل النظام اتفاق خفض التصعيد الذي أعلن عن التوصل إليه قبل أكثر من شهرين، ومازالت محاولات اقتحامها مستمرة بحثاً عن إنجاز عسكري أو إجبار فصائلها على الاستسلام تحت مسميات المصالحة.
إذا كان التصور السيئ عن إدلب مستبعداً مرحلياً، فإن المسألة ليست كذلك فيما يخص درعا والغوطة الشرقية، دون إغفال أهمية موقع الأخيرة بالنسبة لدمشق، وما قد ينتج عن أي تصعيد بالمعنى الشامل من ارتدادات على قلب العاصمة.
هي سيناريوهات مفترضة، لا نتمنى حصولها، وليس من المجدي عدم التنبيه والإضاءة عليها بما أمكن من كلمات.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية