باني ماليزيا "مهاتير مهمد" قالها منذ خمسينيات القرن الماضي "أريد لبلدي أن تغدو مثل سورية"، الرجل الطامح أرفق حلمه بعمل دؤوب أوصل بلاده إلى مصاف الدول المتقدمة والمنافسة اقتصاديا، فعل تماما ما وجد السوريون عليه.
لا شك أن تاريخ سورية يشهد لها بالعظمة، فتحت كل حجرة في هذه البلد أثر يدل على حضارة لا مثيل لها، إنهم السوريون ولو عتّبت أبوابهم أقوام عابرة، لم يضيروهم في شيء، قادرون على البناء من العدم وما قبل العدم.
لا يحتاج الباحث دليلا على إبداع القوم وحيويته، ولكنه يحتاج كثيرا من الأبحاث والدراسات من أجل إدراك سرّ القيامات الجديدة بعد كل غفوة، إنه السر الذي ميّز السوريين كل التاريخ حتى القادم منه.
إن الناظر إلى "عبود حمام" وهو يضع حجرا فوق حجر لتغدو مدماكا ومن ثم جدارا ومن ثم يكمل إعادة بناء المنزل الذي دمره الطيران في مدينته الرقة، يوقن أن قيامة السوريين الجديدة باتت وشيكة.
طبيعي أن يسهم الرجل بإعادة بناء ما هدمه الهمج، ولكن أن يركن المصوّر المرهف كاميرته جانبا ويتحول بنّاء، فتلك هي المفارقة الخلّاقة التي جعلت من السوري مميزا يعيش لحظته كما يقتضي مستقبله.
وأجمل ما في مشهد عبود البناء أنه لم ينس أنه مصوِّر والتقط بعفوية اللحظة بعدسته، ونقلها لمن أراد أن يبصر ويدرك من هو السوري، في حالة إبداعية مضاعفة.
وحدهم السوريون لم ولن يفاجئهم "عبود حمام"، كلّهم عبود، وكلّهم محترفو المهنة التي تقتضيها اللحظة، لحظة الولادة المتجددة.
إبداع السوري أينما حلّ بات ظاهرة احتار فيها المستضيفون، وجعلت منه منافسا للمضيف في بلده ما سبب له متاعب ومضايقات، وحتى هذه وجد سبيلا للتعامل معها عبر الشراكات وطرق أخرى كل حسب البلد والمدينة والمهنة.
كما درسنا في كتب الجغرافية، فإن لموقع سوريا دورا كبيرا في اهتمام العالم بها، كما أن معطيات جديدة أخرى دخلت على خط هذا الاهتمام ترافقت مع ثورات الربيع العربي مضاف عليها تنافس دولي سياسي أعقب صحوة روسيا بعد انكفائها منذ نهاية العهد السوفييتي والسعي الفارسي للتمدد عبر نشر التشيع ترهيبا وترغيبا والتقاء مصالح الدولتين في أرض مهّدها لهم ولغيرهم من الطامعين لمكاسب سياسية وعسكرية نظام مجرم مأجور.
ولكن ما وراء ذلك كله هدف أكبر وأكثر استراتيجية، إنه تحطيم الإنسان السوري القادر على نفض تراب القبر والنهوض من جديد، لا يريدون في هذا الحيّز الجغرافي ذهنا متفتحا "يخلق من الجزمة أفقا"، يعكر عليهم صفاء مخططاتهم الخبيثة، وأكثر من ذلك، إنهم يخشون نهوض المارد السوري ووصوله على المدى البعيد إلى ريادة الكون.
فرنسا، الدولة المنتدبة، بنت جيشا طائفيا يسهر على كبت السوريين، تقوده ذهنية عسكرية أقلوية أكثر انفتاحا على الإجرام من أجل الحفاظ على مكاسب طارئة، كما مكّنت الأيادي السوداء العالمية طائفيا قذرا من البلاد، جهّلها وطيّفها ونجح في إطفاء جذوة الإبداع في أبنائها، حيث مكّن العسكر والجهلة من المفاصل ومواقع القرار.
وعندما ثار السوريون على واقعهم وقف كل العالم، كل العالم، يدعم مجرما لقتل رغبتهم في الولادة الجديدة، ورغم نجاحه في القتل والتشريد والتدمير، إلا أن التاريخ لن يعود للوراء، وستكون الولادة الجديدة، انظروا إلى "عبود حمام".
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية