شاهدت بالأمس حلقة وثائقي الجزيرة "نهايات غامضة"، وكان موضوعها، مقتل، أو انتحار، رئيس الوزراء السوري الأسبق "محمود الزعبي"، والحقيقة أن الحلقة، بالنسبة لي على الأقل، لم تقدم شيئا جديدا سوى تأكيد ما بات الجميع يعرفه، لاسيما بعد اندلاع الثورة، من أن سوريا كان يحكمها حافظ الأسد، حكما إلهيا استخباراتيا، أو كما عبر أحد ضيوف الحلقة بقوله: "كان حافظ الأسد ضابط مخابرات بمنصب رئيس جمهورية".
هذه الجمهورية، جمهورية الأسد، كل مسؤول فيها لم يكن أكثر من أداة لتنفيذ ما يريد حاكمها، ولم تسجل ذاكرتي أن مسؤولا واحدا امتلك الشجاعة للتمرد على حافظ لا من منطلق حرصه على الشعب ولا من غيره، رغم معرفتهم بتفاصيل ما كان يحصل في جمهورية الخوف، من لحظة انقلاب حافظ الأسد في العام 1970 مرورا بمجازر الثمانينات الرهيبة وصولا لجريمة مباركة توريث "القاصر" بشار، بل على عكس ذلك كانوا يتفننون بالبحث عما يظهر الولاء والطاعة المطلقة، لحكم الأسد، ومحمود الزعبي كان أحدهم، ولم تشفع له طاعته للأسد سواء أكانت نهايته قتلا أم انتحارا، فإن كانت قتلا فمنفذها الأسد، وإن كانت انتحارا فالدافع إليها أيضا الأسد.
ووفق المنطق "القانوني"، وكذلك المنطق "الأخلاقي" يتحمل "محمود الزعبي"، وجميع البراغي -المسؤولين- في آلة الأسد العملاقة، وكل حسب منصبه، وزر الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب السوري في عهد الأسد الأب وابنه أيضا، وإن كانت الثورة الصادقة، تجب ما قبلها، فربما تشفع لمن انشق عن هذه الآلة وتحول إلى فاعل حقيقي في صفوف الثورة، ربما تشفع له وتنقيه من إثم الماضي، إن كان هذا الماضي آثماً بالمطلق.
وبالعودة إلى حلقة قناة "الجزيرة"، وحده "ثعلب السياسة" عبد الحليم خدام، ذهب وعلى عكس كل الشهود وبعض الحقائق التي تشير إلى مقتل الزعبي، وحده ذهب إلى تأكيد فرضية النظام وقال إن الزعبي انتحر، من دون أن يترك مجالا لأي فرضية أخرى، على الأقل من باب الأمانة العلمية، فالسيد عبد الحليم، ولا أعرف أين يقف في هذه الآونة من محنة الشعب السوري، دائما يصر على تقديم نفسه كمرشد وأب روحي، ولو أن أحدا سمع كلمته لما حدث ما حدث، خصوصا عندما قال - بحسب شهادته لوثائقي الجزيرة- "مو قلتلك (يا حافظ) لازم تشوف وضع حكومة الزعبي"، وفي الشهادة نفسها قال "يا أبو مفلح ليش لتنتحر، احكي عن محمد مخلوف..."، ولا تذكرني هذه الحالة إلا بالشخصيات الدرامية متعددة الوجوه.
هي مرحلة لم تكن مليئة بالفساد فحسب، بل كانت مليئة بالدماء، ويبدو أن قدر السوريين أن يبقوا في بحر الدماء، إذ لم تستطع حتى الآن أرواح مليون شهيد أن تقتلع جذور تلك المرحلة.
أخيراً، وقبل أن تبادرني بالشتيمة عزيزي القارئ، منطلقا من كنية "الزعبي" أنا لا أبرئ محمود الزعبي، من مشاركته في آلة الفساد، ولست مدافعا عنه، ولم أشاهده سوى مرة واحدة وكنت طفلا، وكان ذلك خلال افتتاح أحد المشاريع في درعا إن لم تخني الذاكرة.
*حسين الزعبي - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية