بوتين في سوريا .. لا تقرأوا لؤي حسين!*

كل الناشطين والسياسيين المعارضين قرأوا زيارة بوتين الخاطفة إلى سوريا واستدعائه لبشار إلى قاعدة حميميم، على أنها تقدم صورة سلبية عن واقع النظام اليوم، إلا رئيس تيار بناء الدولة "المعارض" لؤي حسين الذي قرأ الحدث على أنه يعطي مصادر قوة جديدة للنظام، حتى لو أمر الرئيس الروسي بسحب جزء من قواته من سوريا. 

من وجهة نظر حسين، أن روسيا انتصرت في سوريا، وبالتالي لم يعد هناك حاجة لمزيد من القوات على الأرض، وليس لأن روسيا مأزومة وتعاني من خسائر فادحة كما يريد باقي المعارضين قراءة الحدث! 

لا يبدو لؤي حسين متحمسا للأفكار التي تتحدث عن أن روسيا قررت إنهاء ورقة بشار الأسد كمتمسك أبدي في السلطة، واستبداله بشخصية أخرى لقيادة المرحلة الانتقالية، هي بحسب التسريبات، فاروق الشرع .. بل إن حسين وكما صرح عن أفكاره أكثر من مرة، لا يعتبر مشكلته الأساسية مع بشار الأسد، وإنما مع هيكلية النظام وتركيبته الحاكمة..وهو يتمنى من أعماقه لو أن بشار يبقى في السلطة ويقود عملية التحول في النظام بنفسه، وفي أسوأ الحالات، أن يكون بديل بشار هو أخوه ماهر .. !!

على أي حال، أصبح لؤي حسين ورقة محروقة في المعارضة السورية، ولدى الروس وجميع الأطراف، وهو مستثنى من كل الأجسام التي تشكلت خلال عملية البدء بالمفاوضات والحل السياسي، لكن يمكن النظر لمواقفه وتصريحاته وآرائه، على أنها مقياس لقراءة الشخص ذاته .. بمعنى أن حسين يقرأ الحدث وفق تمنياته مثله مثل الجميع، فهو لا يتمنى أن تتخلى روسيا عن النظام، مثلما يتمنى باقي المعارضين لو أن روسيا تتخلى على النظام ..وهكذا.. 

وبعيدا عن القراءة وفق التمنيات، دعونا نقرأ زيارة بوتين الخاطفة إلى سوريا واستدعائه لبشار الأسد إلى مطار حميميم، ومن ثم دعوته لسحب جزء من قواته من سوريا، دعونا نقرأها، ليس من خلال الصورة التي وزعتها وسائل الإعلام، وليس من خلال أمنياتنا كما ذكرنا، وإنما من خلال الحدث ذاته.

فهل اقتنعت روسيا بالفعل بأن دور بشار الأسد يجب أن ينتهي، ويجب استبداله مقابل الحفاظ على النظام، كما يحلل الكثير من المعارضين؟

والسؤال الثاني: هل استبدال بشار الأسد في هذه المرحلة ينهي الأزمة السورية وينتقل بها إلى المرحلة الانتقالية..؟

أما السؤال الأخير والأهم فهو: ما مصير بشار الأسد في هذه الحالة..؟ هل سيرضى مغادرة البلد وهو الذي غامر بكل شيء ودمر كل شيء من أجل البقاء في السلطة..؟ هل تعتقدون أن هذه الصورة هي نهاية منطقية لكل ما فعله هذا الشخص ونظامه..؟

من وجهة نظر شخصية، وبعيدة عن التمنيات، أرى بأن روسيا سوف تتمسك ببشار الأسد وبنجله ونجل نجله إلى ما لا نهاية.. وهي اليوم في موقع قوة بكل معنى الكلمة، وبشكل لا يجعلها مضطرة للتجاوب مع المعارضة في مطالبها.. وهي على يقين، بأنه مهما كان بديل بشار الأسد مواليا لها ومعترفا بمصالحها في سوريا، فإنه لن يكون بمقدوره حماية هذه المصالح كما بشار الأسد.. لكن من جهة أخرى، هي تدرك بأن بشار ارتكب خطأ فادحا من خلال السماح لإيران للتمدد في سوريا، فهو الشي الوحيد الذي يقف اليوم حجرة عثرة أمام استمرار بشار الأسد في السلطة بالنسبة لأمريكا واسرائيل.. فهو إن استطاع أن ينهي هذا الوجود، فله السلطة، أما إذا لم يستطع، عندها لا بد من استبداله بشخصية قادرة على القيام بهذه المهمة.

هذا هو اليوم جوهر الخلاف والحل بالنسبة للأزمة السورية، بين الروس والأمريكان. 

وأعتقد بناء على ذلك، أن لقاءات بوتين مع بشار، هذا هو فحواها، أنه يطلب منه أن يتخذ خطوات جدية لإبعاد إيران عن سوريا، لأنه لن يكون بوسعه حمايته إذا ما قررت أمريكا وإسرائيل التدخل بنفسها لوقف هذا التمدد. 

باختصار: روسيا لا تشعر بأنها معنية كثيرا بإيجاد حل للأزمة السورية وفق مقررات جنيف1 والتي تقول صراحة بتشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، وإلا ما اضطرت لكل هذا اللف والدوران من أجل إلغاء هذه الصيغة وتمييعها، وكل ذلك من أجل تثبيت بشار في السلطة.

وما تريد روسيا قوله لبشار في النهاية: أستطيع تثبيت حكمك إذا كان خصمك هو شعبك، لكنني لا أستطيع تثبيته إذا كان الخصم هو أمريكا وإسرائيل.