أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الأسد يشكر ترامب.. عبد السلام حاج بكري*

بشار الأسد - أرشيف

يتمنى بشار الأسد أن يصدر الرئيس الأمريكي ترامب كل صباح قرارا مثيرا كما قراره نقل سفارة بلاده في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، أو أن تحدث زلازل وبراكين وحروب شرسة في العالم، تسحب ما تبقى من البساط الإعلامي من تحت جرائمه بحق سوريا والسوريين.

قبل أيام شنت الطائرات الإسرائيلية غارات مدمرة على مواقع للأسد وأسياده ملالي طهران في كل من ريف دمشق وحلب، ورغم ما تسببت به من خسائر بشرية في صفوف الحليفين إلا أن الغطاء الإعلامي لما جرى لا يوازي أهمية الحدث، وهذا ما يريده ويدفع باتجاهه الأسد والإيرانيون.

لم يعد يشعر بشار بالحرج من حاشيته والموالين من خنوعه للصمت الصاخب تجاه الاستهداف الإسرائيلي المتواصل لمواقع محددة بدقة، فهو نشر ثيابه الداخلية المزركشة بعبارات المقاومة والممانعة على ناصية الطريق، ولم يحرك تعرّيه حميّة أنصاره، ويبدو أنه لن يفعل. 

كذلك فعل حلفاؤه الطائفيون الذين صدعوا رؤوسنا بأضحوكاتهم الـ"ما بعد حيفا"، وطالما صرخوا في الشوارع الموت لأمريكا وإسرائيل، وأطلقوا على فيالقهم الجرارة تسميات النضال والممانعة والمقاومة وفي طليعتها "فيلق القدس".

يبدو أن طريق القدس لن يصل بالقوى الممانعة إليها إلا عبر كل عواصم الشرق العربية وعلى الجثث والدماء، هذا الطريق الذي صرح بالأمس مسؤولون إيرانيون بأنه بات سالكا من طهران مرورا ببغداد ودمشق، وقد منحتها إسرائيل المبرر الكافي للتوجه إلى الأقصى، حيث وطئت رأسها في سورية، وعزز ترامب الفرصة بنقل السفارة إلى سيدة المدائن.

تمرير إسرائيل لضرباتها دون ضجيج إعلامي واكبه صمت مطبق من ماكينة إعلام المقاومين، وعدم اهتمام من بقية وسائل الإعلام العربية والدولية، وهو ما يثير الريبة بتواطؤ أممي لإبعاد الكاميرا عن بشار العاري على ناصية الطريق وحلفائه رافعي بيارق المقاومة والممانعة التي اقتصر دور المقاتلين تحتها على قتل العرب السنة فقط.

العالم اليوم يتحدث باهتمام بالغ عن الجرائم المروعة التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي وتنقل فضائياته مشاهد الغاز المسيل للدموع التي يطلقها أفراده على المحتجين على قرار ترامب، ولن يفكر المشاهدون بمقارنة الرصاص المطاطي لهذا الجيش مع براميل وصواريخ جيش الأسد العنقودية وسلاحه الكيماوي، فالأمر غير وارد بتاتا.

بين القصف الإسرائيلي الصامت لمواقع الأسد وحلفائه وقرار ترامب الصاخب، أهملت وسائل الإعلام تغطية الخسائر البشرية الكبيرة التي مني بها جيش الأسد في معارك شبه مجهولة العدو في كل من البادية السورية وريف حماة الشرقي، في خدمة إضافية تقدمها الماكينة الإعلامية لبشار، وهذه المرة نفعته مع أنصاره، ووفرت عليه كثيرا من غضبهم الذي يرتقي حدّ توجيه الشتائم مع مثل هكذا أخبار.

وحدها، أو القليل معها، "زمان الوصل"، تحدثت عبر مراسليها النشيطين عن هذه الخسائر، وكانت أرقامها مرتفعة، تعد بالمئات خلال أسبوعين من المعارك، دفنوا في قراهم دون علب متة أو ساعات حائط، بينما بشار يبتسم بخبث في "أبو رمانة" ويشكر ربه على نعمة صمت مواليه على ما يحل بهم. 

بعبثية غريبة تتواطأ الأحداث مع وسائل الإعلام بتحويل الأنظار إلى حيث يريد بشار الأسد، ولعله يرغب أن تقدم إسرائيل على قصف كل المواقع التي تخطط لاستهدافها في سورية في غمرة انشغال العالم وإعلامه باحتجاجات متناثرة على قرار الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل.

أغرب ما يجري على الساحة هو ذلك الخنوع المذلّ لأنصار بشار وحلفائه وهم يرون من دون غربال كل ذلك النفاق الذي يمارسونه عليهم، فقد تكشفت كل الحقائق، ولم ينفع ذلك في إيقاظهم، وكأنهم يسيرون نياما.

*من كتاب "زمان الوصل"
(124)    هل أعجبتك المقالة (134)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي