بعد انتهاء كل قصف على مدينته "دوما" في قلب غوطة دمشق وانقشاع الغبار والدخان ينطلق الفنان الشاب "أكرم أبو الفوز" إلى أماكن القصف ليجمع من بين الركام والدمار فوارغ القذائف والرصاص، ليصنع منها أعمالاً فنية تجسد إرادة الحياة في المدينة المصنّفة كأخطر مكان للعيش في العالم، حيث يعاني أهلها حصاراً قاتلاً منذ أكثر من 4 سنوات ليوصل رسالة تؤكد على سلمية الثورة ورقيّها.
أسهم الحصار المطبق على المدينة "دوما" منذ أربع سنوات ونصف والقصف المستمر والقتل اليومي وانعدام كافة مؤهلات العيش البسيطة مثل الكهرباء والماء وغيرها في تأجيج شرارة الإبداع داخل الفنان "أبو الفوز"، الذي لم تمنعه أصوات الطائرات التي تحوم فوق رأسه، والقذائف التي تدك مدينته، ولا أصوات سيارات الإسعاف التي تملأ الأجواء والطرقات من مواصلة رسالته الفنية والإنسانية المتمثلة في التأكيد على أن السوريين الأحرار شعب يحب الحياة ويناضل من أجلها ويفعل المستحيل ليحيا بكرامة وأنهم أهل الثقافة والفن والتاريخ.
يقول أبو الفوز لـ"زمان الوصل" إنه يحاول أن يحاكي عقول وقلوب المجتمعات الأخرى التي لربما تتأثر بالفن أكثر من تأثرها بمناظر الدماء والأشلاء اليومية، لافتا إلى أن بعض أعماله ترتكز على فكرة من الخيال أو على كلمة طفل أو صراخ مريض أو لإحياء ذكرى لمكان مدمر.

وحول كيفية حصوله على المادة الخام لأعماله وهي فوارغ القذائف وهل يختبر أمانها قبل العمل عليها أبان الفنان بنبرة مؤثرة أن بقايا القذائف وفوارغ الصواريخ أكثر من المواد الغذائية ومن عدد الأبنية وأحجار الأرصفة في الغوطة الشرقية، وبات الحصول عليها بمنتهى السهولة، فنظام الأسد والروس –كما يقول- يتحفونا يومياً بأنواع جديدة من هذه الفوارغ وبخاصة في مدينته "دوما" التي لم يهدأ القصف عليها منذ 7 سنوات.
وأوضح الفنان "أكرم" أنه يجلب بعض الفوارغ أحياناً من مكان القصف مباشرة وأحياناً أخرى يحضرها له بعض الأصدقاء لمعرفتهم بشغفه بامتلاك هذه القطع، وتابع أن الفوارغ والقذائف التي يستخدمها في أعماله لا ضرر منها لأنها غالباً ما تكون قد انفجرت أو تكون حاضنة للقذائف أو الصواريخ أي أنها عبارة عن حامل لها ولا تحوي أي أثر للمواد السامة أو المتفجرة، ومع ذلك يقوم بغسيلها وتنظيفها، وقد يلجأ لبعض المختصين لإفراغ بعضها إذا وجد أن أجزاء منها لم تنفجر.
ونظراً لوجود أشكال ونماذج عدة لهذه الفوارغ يعتمد "أكرم أبو الفوز" على الشكل المناسب للرسم غير المؤذي للناظر والذي يمكن توثيقه بفترة من الفترات مثل الفوارغ العنقودية وغيرها.

ويشرح الفنان آلية عمله على الفوارغ والقذائف، مبيّناً أن لكل عمل فكرته وتصميمه الخاصين فهناك بعض الأعمال يتم إنشاؤها بدون تصور وتكون عبارة عن تجميل فقط وتلوين وزخرفة، أما بالنسبة للمجسمات -كما يقول- فيتم تصور العمل لعدة أيام وأحيانا لأسابيع وانتقاء الفوارغ المناسبة له، والألوان الخاصة وطريقة التنسيق والعمل ومن ثم البدء بها، وقد تكون البداية بتنظيف القطعة وإعطائها اللون الأساسي ومن ثم الزخرفة عليها.
يستعمل الفنان الدوماني في أعماله المواد المتوفرة فقط في المدينة إن وجدت ومنها الألوان الزيتية والزجاجية وكان فيما -كما يقول- يستخدم عصارات شبيهة بمادة السليكون تجف حين خروجها من العصارة للبيئة الخارجية وتتصلب بعدها وتكون نافرة ومجسمة، ولكن في ظل الحصار فُقدت هذه المادة في الغوطة الشرقية، ولذلك يحاول أن يستفيد مما تبقى لديه من مواد سبق أن ادخرها فيما مضى.
وتعج أركان منزل "أبو الفوز" بعشرات القطع الفنية التي لم يستطع تسويقها أو عرضها للبيع بسبب الحصار المطبق على "دوما"، رغم كثرة الطلب عليها من جميع الدول العربية والأجنبية والمعارض الخارجية والمتاحف أيضاً، ولكن لا سبيل لفعل شيء -كما يقول- سوى تزيين جدران منزله فيها، وعلاوة على مشكلة التسويق لأعماله المكدّسة والمكلفة مادياً وانعدام مقومات الحياة بشكل عام بسبب الحصار يشكو أبو الفوز من انقطاع الكهرباء الذي يضطره في كثير من الأحيان للرسم على ضوء الشموع أو الطاقة البديلة، مما تسبب له بضعف نظر بدت معالمه الآن، ناهيك عن انقطاع الاتصالات والماء والمحروقات والحالة النفسية التي يعيشها كغيره من أبناء "دوما" المحاصرين وصعوبة تأمين لقمة العيش.
وختم محدثنا وهو يمسح الغبار عن إحدى قطعه الفنية: "رغم كل الظروف لن أتوقف ولن أدع اليأس يتغلغل إلى أعماقي وستبقى رسائلي تطوف العالم وتطرق أبواب شعوبها لتجد من يصغي لها ويراها ولو أنه قد عميت البصائر والأبصار والقلوب".
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية