من مرويات التراث العراقي، أن رجلا فقيراً يدعى "عرب" تزوج من امرأة بسيطة اسمها "طنبورة" وهي بكماء، لا تسمع ولا تتكلم، ولأنها كذلك عودها ومنذ الليلة الأولى أنه عندما يريد مطارحتها الغرام، أو أن يصنع الحب، كما يستخدم في ترجمة الأفلام الغربية، يفرش عباءته على الأرض، وبالفعل ما إن ترى "طنبورة" عباءة "عرب" مفروشة حتى تتهيأ، وربما من دون تهيئة، لنداء الحب، وقد أسفرت هذه المسألة عن دستة من الأبناء.
كان بيت "عرب" قريبا من ضفة نهر دجلة، وفي أحد الأيام فاض النهر وبدأ الهرج والمرج وأخذ أهل البيوت القريبة من النهر بتجميع ما يستطيعون حمله من بيوتهم والابتعاد قبل أن تغمرهم المياه، وما كان من "عرب" عندما شاهد ذلك، إلا أن دخل بيته ووضع عباءته على الأرض ليضع عليها ما خف وزنه ليحمله ويهرب بعائلته قبل أن يصلهم الماء.
فرش "عرب" عباءته ودخل إلى المطبخ، وما أن خرج وبيديه بعض الحوائج حتى وجد "طنبورة" على العباءة -بدون تهيئة- وقد استعدت لـ"صناعة الحب" معتقدة أنه سيطارحها الغرام، فقال قولا ذهب مثلا "عرب وين وطنبورة وين!".
حال "طنبورة"، ولأن المثل يستدل به ولا يناقش، يمكن تشبيهه بحال الكثير من جماهير التواصل الاجتماعي في بعض دول الخليج العربي، فبالأمس، قتل علي عبد الله صالح، مع حفظ الألقاب، الرئيس الراحل، الرئيس السابق، الرئيس المخلوع، الرئيس المحروق، الرئيس عفاش، قتل على يد الحوثيين بعد أقل من ثلاثة أيام من قفزه من عربتهم والانقلاب عليهم لصالح "التحالف العربي"، وكان انقلاب صالح على الحوثيين وبالتالي على إيران بمثابة هجمة مرتدة خطيرة باغتت الدفاعات الإيرانية في الميسرة اليمنية، وبدا الأمر محل ترحيب الكثير من معادي التوغل الإيراني في المنطقة، لاسيما أنه جاء بعد "دربكة" سعد الحريري الأخيرة أمام المرمى السعودي.
إلا أن إيران لم تبيتها طويلا، وجاء الرد بقتل صالح على يد حلفاء الأمس القريب، لتعيد خلط أوراق اليمن من جديد، ولتختلط معها القراءات حول ما ستؤول إليه أوضاع اليمن غير السعيد خلال مقبل الأيام.
ولأنني وكثر مثلي اختلط عليهم الأمر، طرقت أبواب الكتاب والمفكرين ممن هم أعرف وأدرى بالشأن اليمني والخليجي عموما كالمنشق حديثا عن الإعلام السعودي "جمال الخاشقجي"، والمفكر الكويتي الدكتور "عبد الله النفيسي" الذي يحذر منذ سنوات طويلة من مخاطر المشروع الفارسي، وتحديدا في اليمن، ولو أن أحدا استمع إليه، لما وقع فأس إيران برأس اليمن على الأقل ناهيك عن العراق وسوريا.
وبعيداً عن صواب قراءتهم للتطورات المحتملة للمشهد اليمني من عدمه فما كان ملفتا هو حجم المسبات التي كيلت للرجل وغيره، وهذا ليس مستغربا في ثقافتنا "الفيسبوكية، والتويترية" عموما، لكن الأدهى والأمر أن الشتائم والتهم محورها الرئيسي ليس القراءات الخاطئة بل "الأخونة"، وهنا لا أدافع عن الإخوان ولا عن غيرهم، ولكن أن تتحول الجيوش الالكترونية - وآمل أن تكون بالفعل جيوشا إلكترونية، وليس أناساً عاديين، وإلا فإن نموذج "شعب قناة الدنيا" باق ويتمدد،- أن تتحول إلى "طنبورة" وكأنه لا يكفينا "طنبورات الحكام" في الوقت الذي يتقدم فيه زنادقة الفرس وزناتهم وعلى رؤوس الأشهاد إلى كل بقعة من بقع المشرق العربي، فهو حال لا يصح فيه أكثر من المثل العراقي بتصرف.. عرب وين طنبورة وين عفاش وين!
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية