مضى على التداول الدولي للقضية السورية ستة أعوام، فشلت فيها المؤسسة الدولية بالتقدم باتجاه مصلحة الشعب خطوة واحدة، لأن الهدن وهي الشيء الوحيد الذي يمكن اعتباره تقدما هي عمل فردي بعيد عن الصيغة الدولية، وفيما عدا ذلك ليس إلا تصريحات وزيارات ولقاءات شرعنت قتل النظام لشعبه ووفرت له الغطاء السياسي العالمي.
كأن السيرة التاريخية الفلسطينية تتكرر اليوم مع الحكاية السورية، تلك قضت 45 عاما من الرحيل إلى الجسم السياسي الدولي، لكن صيغة الحل الذي يضبط العلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين جرى عقده في أوسلو بعيدا عن ذلك الجسم الرخوي، وإذا تُركت الحكاية السورية مع الراوي الدولي عبر الوسيط غير النزيه دي ميستورا لا يستبعد أن يتحدث التاريخ عن بشار الأسد الخامس عشر، ودي ميستورا العشرين.
كل ما يريده النظام يحققه عبر القتل على الأرض والمفاوضات في جنيف، فهو استطاع عبر شركائه صياغة وفد معارض حريص على مصلحته بما يعادل حرصه أو يزيد، وهو على استعداد للتخييم الأبدي في جنيف لقناعته بأن ذلك لن يضيره بشيء.
يظهر النظام اليوم بصورة المنتصر على الإرهاب، وهذا يبرر للصامتين الدوليين صمتهم عن جرائمه التي لا تحصى، ويعزف على وتر المفاوضات ليبدو ميالا للحل السياسي، وبذلك يبدو مقبولا من ساسة العالم ويضمن عدم ضغطهم عليه لتقديم تنازلات أو للإسراع بإيجاد حل لتجاوز الكوارث التي نتجت عن حربه على الإرهاب.
ولم يعد هناك من يتحدث عن شيء اسمه ثورة ومطالب شعب بالحرية والعدالة، أو محاسبة مجرم على قتل ما يقارب المليون من شعبه عدا عن التهجير والتدمير، حيث تدرس المنظمة الدولية عملية سياسية يشارك فيها البطل الذي قضى على الإرهاب، ولا يتجاوز ما تطرحه تعديل بعض فقرات دستوره وتحميل من أسموا نفسهم معارضين بعض الحقائب الوزارية.
بالمفاوضات، وهكذا وفد معارض مفاوض، مع مثل هذا الوسيط الدولي، وكل تلك الرعاية العالمية، سيرى النظام نفسه قريبا وقد نال أكثر مما يريد، وربما تدفعه الشفقة لمنح المعارضة بعض ما تنازلت عنه قبل الدخول في تمثيلية جنيف.
جنيف، لن ينتج عنه سوى جنيف آخر، وآخر، وآخر، لأن طرفي المفاوضات ليسا سوى كراكوزات تحركها لضرورة المشهد القوى الدولية التي تتنافس على الكعكة السورية، لا تملك سوى ترديد ما تتلقنه من الرعاة، وعندما يتم الاتفاق على القسمة سينتهي كل شيء، النظام والمعارضة وجنيف.
المنتصرون والخاسرون في الميدان من السوريين حالهم واحد، هم من دفع ليقبض الآخرون، يوما ما "قريبا" سيصحو السوريون على الحقيقة، ويقومون معا لسحق من تسبب بكل ما حلّ بهم، وسيخوضون حربا طويلة في مقاومة احتلال كل المجرمين لأرضهم وحقوقهم.
إنها حرب جديدة تقرع طبولها، وليس ذكيا من يعتقد بأن وجود الأجانب على الأرض السورية سيكون مقبولا ولو مرحليا، مشاهد مثل التي جرت في فيتنام وأفغانستان ستتكرر في سوريا، لن تنفع كل جنيفات العالم في وقفها، والسبيل الوحيد لذلك هو حرية السوريين في قرارهم ومستقبلهم.
كل ما يجري الحديث عن حول شرق أوسط جديد تحاول قوى إقليمية ودولية رسمه، قد يكون صحيحا، ولكن الخطأ بعينه الاعتقاد بأن السوريين سيقبلون بما هو أقل مما قاموا لأجله في 15 آذار 2011، يضاف إليه محاسبة كل المجرمين بحقهم منذ ذلك اليوم.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية