أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

فتح الإسلام وما بقي منها بعد أسر العبسي

أحد مقاتلي فتح الإسلام في معارك نهر البارد (أرشيف)

أحد مقاتلي فتح الإسلام في معارك نهر البارد (أرشيف)


■ بيان توضيحي بأخطاء لغويّة وطباعيّة فادحة
■ تأكيد مبايعة عوض أميراً ونفي كلّ أشكال الخلاف الداخلي
■ دفاع مستميت عن سياسة المستقبل وإغفال الاتّهامات المضادّة

تغيّر تنظيم فتح الإسلام. لم يعد هو نفسه ما كان قبل حرب نهر البارد وما تلاها، ولا هو نفسه الذي نشر تسجيل شاكر العبسي.

حينها كان التنظيم يرفّع نفسه عن السياسة اللبنانية الداخلية، واليوم يضيع في دهاليزها

فداء عيتاني


في الثامن من كانون الأوّل الحالي، نشر تنظيم فتح الإسلام بياناً توضيحياً طويلاً عبر مواقع السلفية الجهادية على الإنترنت. تمكّن حينها موقع «سايت» الأميركي الذي يرصد تلك المواقع من الوصول إلى النص، ونشر مقتطف بسيط منه. لذا، كان لا بد من البحث عن النص الأصلي، وهي المهمة التي تصبح أصعب يوماً إثر آخر مع استمرار الحرب الإلكترونية على مواقع الجهاديين الإلكترونية.
البيان الذي تم التأكد من صحته، الصادر عن تنظيم فتح الإسلام، يحسم لغطاً طويلاً حول مصير شاكر العبسي في مرحلة ما بعد حرب نهر البارد، إذ يؤكد خروج العبسي من المخيم، وهو ما سبق أن أكده كوادر من التنظيم لـ«الأخبار» في الأشهر الماضية، وكذلك يضع نهائياً رواية مقتل العبسي وتعرّف زوجته وابنته إلى جثته في خانة المعلومات المضللة، كما يؤكد صدق فحوصات الحمض النووي التي أثبتت أن الجثة تعود لشخص آخر غير العبسي.


ورغم عدم حصول تنظيم فتح الإسلام على أي دليل يؤكّد مقتل العبسي في سوريا عقب الاشتباك معه، الذي سيرد ذكره في البيان، إلا أن الجماعة تفضل اعتبار قائدها وأميرها السابق في حكم المستشهد، بينما تتحفظ السلطات السورية حتى اللحظة عن إعلان مصيره، أو التحدث حتى عن الأمر، رغم أنها أرسلت إشارات إلى من يعنيهم الأمر، في أكثر من مكان في العالم، بأن العبسي موجود في قبضة الاستخبارات السورية.


والبيان هو الأول من نوعه لناحية سرده مجموعة كبيرة من المعلومات والمعطيات. كذلك، فإنها المرة الأولى التي يصدر فيها بيان يبدأ بالحديث مباشرة ومن سطره الأول عن التفاصيل، إذ يبدأ النص بعبارة «لقد تمكن الشيخ المجاهد شاكر العبسي أمير تنظيم فتح الإسلام وبعض الإخوة من الخروج من مخيم نهر البارد». وهي أيضاً المرة الأولى التي ينشر فيها التنظيم نصاً فيه أخطاء لغوية، وطباعية فادحة. وهو يقع في أكثر من 2400 كلمة، ويتحدث بإسهاب عن بعض المحطات، ويرافع سياسياً عن علاقة التنظيم بتيار المستقبل، وسوريا. ولا ينفي البيان الصادر عن «تنظيم فتح الإسلام ـــــ المكتب الإعلامي في بلاد الشام» الكثير مما اتُّهم به التنظيم، بل يؤكّد، على العكس، أكثر الاتهامات، كما سيظهر من النص.
ومما جاء في النص الذي عنوانه «بيان توضيحي حول الأحداث التي مر بها تنظيم فتح الإسلام منذ خروجه من مخيم نهر البارد حتى أيامنا هذه»، الآتي:

«كان الشيخ (العبسي) على موعد مع أناس قالوا أنهم يستطيعون ايصاله إلى الإخوة في العراق فقام بالذهاب الى الموعد ولكنه فوجئ بأنه نُصب له كمين وكان برفقته أخوان هما أبو الشهيد وأبو أحمد، وكانا ممن خرجوا معه من مخيم نهر البارد، وقد حصل إشتباك دام حسب شهود عيان لمدة ساعة تقريباً وسمع إطلاق نار كثيف في تلك المنطقة وهي منطقة جرمانا، وحوصرت المنطقة من مخابرات الدولة (السورية) ومنع الدخول والخروج من تلك المنطقة وتم التعتيم على هذا الأمر من الدولة فلم نعلم اي أخبار عن الشيخ ورفاقه هل هم أسرى أم هم شهداء، ولم يتوقف البحث من جهتنا فعملنا بكل جهد لكي نصل الى الحقيقة لكن دون جدوى ولغاية هذه اللحظة لا نعلم شيئاً، مع إننا نرجح إستشهادهم، ولكن لا دليل لدينا يثبت هذا الأمر. وبعد مرور ثلاثة أيام على فقدان الشيخ ورفاقه قام مجلس شورى التنظيم بتعيين الأخ الشيخ أبو محمد عوض أميراً خلفاً للشيخ شاكر العبسي على التنظيم وبعد توصية الشيخ شاكر بالامارة من بعده لأبو محمد عوض، فتمت البيعة للشيخ ابو محمد عوض بموافقة الجميع وبرضى الجميع وبدأت المرحلة الجديدة بغياب الشيخ شاكر العبسي وبدأ التنظيم يعيد قوته وانتشاره في كلٍ من سورية ولبنان وفلسطين ولكنها سنة الإبتلاء والإصطفاء وما ان نخرج من محنه نقع في اخرى وذلك ليس لخلل في الطريقة أو الإسلوب ولكن لسلامة المنهج الذي نتبعه فاعداءنا لن يتركونا ونحن ثابتين على مبادئنا.


ويمكن تسجيل النقاط الآتية في النص السابق، وهي أولاً، حسم النزاع الذي تحدث عنه أبو الوليد عبر التلفزيون السوري حول خلافة شاكر العبسي، وإعطاء شرعية مطلقة لعبد الرحمن (أبو محمد) عوض. ثانياً، عدم قدرة التنظيم على الاتصال بالعراق وأفغانستان خلال المدة الفاصلة بين فرار العبسي من نهر البارد واعتقاله، وهي الفترة التي تمتد من أيلول عام 2007، وحتى نهاية شتاء عام 2008 تقريباً، علماً بأن أول تداول لخبر اعتقال العبسي كان في أيلول من العام الحالي.


ويقول البيان: «جاءت القضية التي أذهلت الجميع غيرنا، عرض بعض الإخوة في تنظيمنا وكذلك إبنة الشيخ شاكر فك الله أسرهم جميعاً من أيدي الكفار والملحدين، فقد تم عرضهم على شاشة التلفزيون السوري بتاريخ 7-11-2008 فهم أرادوا بهذا البث تشويه صورتنا أمام العالم، وثانياً ان يضعوا تيار المستقبل اللبناني في موقف حرج أمام أتباعه ومناصريه وحلفاءه من اللبنانيين وكذلك يقدم هذا الأمر هدية لحلفاءهم في لبنان من المعارضة فنقول بأن ما بث من أباطيل وأراجيف وكذب وافتراءات وتدليس بحقنا، حيث عرضوا إخواننا على الشاشة، إنما يأتي وخاصة في هذه الأيام وقبل موعد الإنتخابات النيابية اللبنانية وكذلك قرب المحكمة الدولية لمقتل الحريري، إنما يأتي هذا الفيلم المدبلج خدمة لحلفائهم، ونعني المعارضة اللبنانية المتمثلة بـ 8 اذار، والمشروطة بعودة النفوذ السوري الى لبنان عبر اجهزة مخابراتهم التي بدأت تتخذ مراكزا لها في بيروت وضواحيها، وكذلك من أجل إضعاف تيار المستقبل اللبناني وإحراجه بين أتباعه وأنصاره وحلفائه. وهذا التيار اللامستقبلي شأنه شان كل احزاب 14 اذار وشأن كل احزاب 8 آذار فجميعهم أهل ردة وكفر، فملة الكفر عندنا واحدة.


وما بث في التلفزيون السوري إنما جاء لهذا الغرض أي لدعم الناخب اللبناني المعارض وكذلك لتعطيل المحكمة الدولية او للمساومة عليها، فمن المعروف إن النظام السوري يحرص كل الحرص على التكتم عن أي معلومة لديه وعن أي حدث يحصل في بلده فهناك أمور وأحداث حصلت في سورية أشد وأعنف من العملية التي ذكرت على شاشات التلفاز وفد تم التعتيم عليها فلماذا يتم الكشف أو بالأحرى الأفتراء المدبلج عن هذه العملية التي إستهدفت فرع فلسطين في منطقة كفرسوسة».
اول ما يمكن ملاحظته في البيان هنا هو التأكيد أن المعتقلين المعروضين عبر الشاشة السورية هم من التنظيم، وبالتالي إسقاط السيناريوات التي تحدثت في لبنان عن «تمثيلية»، على الأقل لناحية أن الأبطال يؤدون دورهم الواقعي في الحياة، بغض النظر عن مضمون ما نطقوا به. ثم يتحدث البيان عن تشويه الصورة، علماً بأنه لا يورد أين حصل هذا التشويه أو كيف تم؟

ويفرد مجموعة من المترادفات عن كذب وأباطيل وأراجيف دون الإشارة إلى أية نقطة بعينها، ثم يدخل إلى باب السياسة المحلية، وإرادة سوريا دعم حلفائها والتدخل في عمل المحكمة الدولية، عدا أن هذا الأسلوب في التحليل السياسي بعيد كل البعد عن فتح الإسلام، التي كان أبو حسين المقدسي (العبسي) قد كرس في آخر تسجيل له خطاباً أقرب إلى تنظيم القاعدة منه إلى التراشق الاتهامي على الطريقة اللبنانية، فإن البيان الحالي للتنظيم يبدو عودة إلى الحوار السياسي اللبناني الداخلي، الذي قلما يعني أحداً في خارج الدائرة المحلية الضيقة، والذي لا يقره عادة تنظيم القاعدة أو القوة السلفية الجهادية، بغض النظر عن تكفير هذه الفئة أو تلك.

وفي سياق الهجوم على تيار المستقبل، ينسى البيان أن يدفع عن نفسه تهمة أنه «اختراع سوري» كما يتهمه دائماً أنصار المستقبل وقوى الأكثرية، ويحقق نقطتين لتيار المستقبل: أولاً، تبرئته من ذنب التعامل مع تنظيم فتح الإسلام، وهي التهمة التي عليها الشواهد والأدلة والتي لا تزال تحوم حول التيار، والتي يدفعها أنصار المستقبل عن أنفسهم عبر رفع وتيرة الشتائم إلى تنظيم فتح الإسلام وإلحاقه بالاستخبارات السورية.

وثانياً، تبني كل خطاب المستقبل، حيث يمكن تيار المستقبل أن يؤكد صحة ما يذهب إليه، سواء في براءته أو في اتهامه سوريا بأنها تستخدم ورقة تنظيم فتح الإسلام، وخاصة عبر شريط الاعترافات التلفزيوني خدمة لحلفائها في الانتخابات المقبلة.


وأما الأمر الأخر هو تصوير التنظيم على أنه وبعد ذهاب الشيخ شاكر العبسي يوجد بين أفراد التنظيم خلافات على الإمارة وغيرها وهذا الأمر عار عن الصحة فتنظيمنا بحمد الله وتوفيقه ورعايته متماسك وقوي فكلمتنا واحدة وجسمنا مترابط.
أما الأمر الأخر هو قضية (سلب الأموال) فنقول معتمدين على الله إن سلب أموال الكفار والمرتدين وسلب البنوك الربوية والمصارف والمؤسسات التابعة لأنظمة الدول الكافرة هو أمر مشروع وقد أباحه الله لنا فهذه الأموال تؤخذ من هؤلاء وتنفق على درب الجهاد والمجاهدين من تأمين حاجياتهم ومن شراء العدة والعتاد وغيرها».
في الأخطاء يمكن الحديث عن أن البيان خلط بين الجيش السوري وحزب الكتائب والأحرار وغيرهما من التنظيمات الفاشية اليمينية التي هاجمت المخيمات الفلسطينية المذكورة في النص، والتي حظيت بدعم مدفعي سوري في بعض الأحيان لا أكثر. كذلك يمكن الحديث مطولاً عن الكذب والزور والتزوير في روايات عدة ملفقة عن براءة تيار المستقبل، والمحيطين به من الاتصالات بتنظيم فتح الإسلام، إلا أن من يعلم ويتابع، يمتلك أشرطة فيديو تظهر عدداً من مناصري وكوادر ومسؤولي تيار المستقبل يقدمون واجب العزاء بشهيد من فتح الإسلام في المرحلة الأولى من بناء التنظيم في نهاية عام 2006، اللهم إلا إذا لم يكن الشيخ عبد الرحمن عوض حينها على قدر كافٍ من الاطلاع على بواطن الأمور في التنظيم، إضافة إلى الحديث عن الحق في الغنم والعودة إلى مراجع شرعية فيه يؤكد جل ما جاء في الشريط السوري المتلفز، وبالتالي لم يحمل البيان عملياً أي تكذيب لما جاء في تسجيل الاعترافات التي بثها التلفزيون السوري إلا في نقطة واحدة وحيدة، ألا وهي علاقة التنظيم بتيار المستقبل، وهو أمر متروك لحين الإفراج عن محاضر التحقيق مع عناصر فتح الإسلام المعتقلين.


 



نقول لأصحاب الأبواق المأجورة من أصحاب العمائم

 

هكذا يتوجه البيان إلى علماء الدين محذراً من بيع «أنفسهم للكفر المتمثل بالموالاة والمعارضة اللبنانيتين، اتقوا الله في المجاهدين وأعلموا أن لحوم المجاهدين مسمومة ومميتة وأن الأموال التي يدفعونها لكم لمحاربة المجاهدين فما هي إلا نار تضعونها في بطونكم فتبرؤا أيها العلماء من الكفر وأهله المتمثل في هذه الأحزاب الكافرة».

إن قضيّة تحكيم الإسلام هي قضيّة مصيريّة

في هذا المقطع يستعيد البيان خطاب السلفية حيث يقول «إما أن نحيا في ظل خلافة راشدة وإما أن نموت دونها شهداء، فالعالم قد انقسم الى فسطاطين كما قال شيخ المجاهدين أُسامة بن لادن فهما فسطاط إيمان وفسطاط كفر فكونوا أيها الشباب مع فسطاط الإيمان كي تنالوا شرف الدنيا وكرامة الأخرة».



من البارد إلى استعادة التنظيم

 

جاء في بداية البيان التوضيحي سرد تفصيلي لمسيرة العبسي منذ فراره من طوق نهر البارد إلى استعادة التنظيم لزمام أموره، ومنه:
لقد تمكن الشيخ المجاهد شاكر العبسي أمير تنظيم فتح الإسلام وبعض الإخوة من الخروج من مخيم نهر البارد، حيث استطاعوا كسر الحصار، ولجأوا الى بعض الإخوة الأخيار الذين عملوا على إيوائهم، فكان من بين الإخوة جرحى وحتى الشيخ كان قد كسرت رجله أثناء خروجه من المخيم وبعد قضاء هذه الفترة قرر الشيخ الخروج ورفاقه الى سورية من أجل لملمة الجراح وإعادة القنوات التي قطعت أثناء الحرب وإعادة بناء التنظيم من جديد، فتمكنوا من الوصول الى سورية عبر تخطي الحدود عن طريق بعض المهربين، وفي سورية عانوا ما عانوه من نوم في الطرقات والحدائق العامة حتى تمكنوا من الإتصال ببعض الأصدقاء القدامى من أهل الخير.
وبدأ الشيخ يجري إتصالاته مع الإخوة في دولة العراق الإسلامية وكذلك كان يحاول الوصول الى الإخوة في أفغانستان ولكن دون جدوى، ومع هذا لم يتوقف عن مهمته فقام بترتيب العمل وتنظيم الصف وإعادة بناء التنظيم من جديد.


فاتصل ببعض الخيرين الذين كان يعرفهم وهم في بلاد متفرقة من العالم استطاع بفضل الله بعدها ان يعيد هيكلية التنظيم ووضع خطة للعمل على ضرب أهداف يستطيع من خلالها النهوض بالتنظيم ورفع همم الشباب المسلم وايقاظ الأمة من سباتها وخاصة في بلاد الشام. فكان هذا الأمر على حساب نفسه وانكب على العمل لهذا الدين مع إنه لو أراد الدنيا لأتته راغمةً ولانهالت عليه الأموال من كل جانب، ولكن من رفض العروض المغرية في مخيم نهر البارد وأبى الا التمسك بدينه وبسلاحه حري به أن يبقى ثابت على هذا المبدأ، مع أنه فقد النصير والمعين من الخلق في مخيم نهر البارد وفقدهم بعد خروجه وبقى على هذه الحال حتى غيابه.

(112)    هل أعجبتك المقالة (119)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي