قضى الشاب "عمر السالم" -اسم مستعار- أكثر من أربعة أشهر في الفرع (227) للأمن العسكري في "كفرسوسة" بدمشق، دون أي اتهام، ذاق خلالها مختلف صنوف التعذيب، وفقد خلالها اثنين من أصدقائه.
كان "السالم" عائداً من عمله إلى منزله في منطقة "العسالي" مساء 5/5/ 2012 عندما استوقفه عناصر حاجز على مدخل الحي طالبين منه إبراز بطاقته الشخصية، ولكنه لم يكن يحمل سوى دفتر الجيش، حيث كان مؤجلاً دراسياً، وبعد "تفييش" اسمه اتضح أنه مطلوب بموجب تقرير أمني بحقه يدعي أنه استخدم مسدساً وجرح أحد عناصر النظام واعتدى على دورية للشرطة، فتم اعتقاله مع عدد من الشبان، كما يروي لـ"زمان الوصل"- مضيفاً أن ضابطا برتبة عقيد بدأ يسأله عن مشاركته في المظاهرات ومع من حمل السلاح، رغم أن الثورة كانت سلمية حينها.
بعد وصوله إلى الفرع (227) تلقى المعتقل الشاب العديد من الضربات في أحياء مختلفة من جسده من قبل عناصر الفرع قبل أن يتم وضعه في جماعية للأمن العسكري أطلق عليها اسم "الشبك"، وبعد ثلاثة أيام تم تصويره وإعطاؤه الرقم 98558 ثم أُعيد إلى المهجع.
وفي اليوم ذاته طُلب للتحقيق الأولي الذي تضمن -كما يقول- أسئلة مفصلة عن حياته كلها، مضيفاً أن المحقق طلب منه الانصراف، وفي اليوم التالي تم استدعاؤه للتحقيق ثانية ليسأله إن كان قد خرج في المظاهرات، وعندما نفى ذلك صفعه على وجهه ثم استدعى عنصرين شرعا بضربه مع توجيه شتائم بذيئة، وبعد ذلك –كما يروي السالم– تم شبحه أي تعليقه من يديه في الأعلى بحيث تكون أطراف أصابعه على الأرض لمدة ساعة، ليطلبه المحقق ثانية ويبدأ بتوجيه أسئلة من نوع: كم مظاهرة شارك فيها ومن كان معه، ومن كتب الشعارات ضد النظام على الجدران في منطقة العسالي، ومن قتل فلانا وفلانا من العساكر ومن هجم على الدورية الفلانية، فأنكر "السالم" علمه بهذه الأمور، وهنا عاود المحقق صفعه على وجهه وأمر عنصرين بضربه مجدداً، ثم أمر بشبحه ثانية وبقي "السالم" ساعة ليطلبه المحقق مجدداً، وهنا بدأ يسأله عن مكان دخول السلاح ومن المسؤول عن إدخاله إلى المنطقة، وبعد أن اشتد التعذيب اضطر الشاب للاعتراف بما لم يفعله.
كان في الفرع (227) -كما يقول السالم- أربع جماعيات تحت الأرض وجماعيتان في الأعلى جانب مكتب مدير السجن من بينها مهاجع النساء وكانت هناك حارات على جانبي "الكوردور" في كل جماعية، وفي كل حارة ست منفردات وضع في كل منها حوالي 10 معتقلين وتم وضعه –كما يقول– في جماعية أطلق عليها اسم ج2 في مكان لا تتجاوز مساحته الثلاثة أمتار كان أكثر من 90 معتقلاً ينامون فيها بلا ضوء ولا شمس ومع الوقت -كما يروي- اكتظ المهجع بمعتقليه، ولم يعد من مكان لأي وافد جديد "لم نكن نستطيع الجلوس على الأرض، فنضطر للوقوف لثلاثة أيام أحياناً"، الأمر الذي كان يؤدي إلى تورم أقدام المعتقلين وإصابتهم بداء "الفيل" في أقدامهم، وبعضهم –كما يقول- كان يُصاب بالجرب الذي ينخر أجسادهم حتى تكاد تُرى عظامهم، ومنهم من كان يموت من الجوع، حيث يُرى قفصهم الصدري، وهناك من تتشوّه أعضاؤهم وبخاصة في منطقة الظهر من أثر الجلوس الدائم لأيام دون حركة.
وكشف محدثنا أن 6 من رفاق زنزانته من بينهم صديقان له من "العسالي"، وهما "محمد علي محمود" و"يزن ضيف الله حسين" وأربعة من "الزبداني" تم قتلهم تحت التعذيب في ساعة واحدة وأحدهم لم يتجاوز 17 من عمره.
وضم السجن عدداً من عناصر جيش النظام ممن اعتقلوا بتهم متنوعة ومنها محاولة الانشقاق أو حرق عربة "بي إم بي" وأحدهم –كما يروي المعتقل السابق- كان عسكرياً سنياً أراد رفاقه الانتقام منه، فوضعوا له في جعبته العسكرية "فلاشة" تتضمن تصاميم صواريخ، وتمت الوشاية به فاعتقل لدى الأمن العسكري، ولم يمضِ أكثر من 5 أيام حتى قضى تحت التعذيب، بعد أن تعرّض لكسر في قدميه الاثنتين ويديه وشطب وجهه من تحت الجفن الأيسر إلى منطقة الفم.
بعد مضي أكثر من ثلاثة أشهر على اعتقاله توقف التحقيق لمدة 30 يوماً وكان السالم يظن أنه سيخرج من المعتقل لعدم ثبوت ما يدينه.
ولكن الأحداث الأصعب بدأت حينها –كما يقول- إذا حصل التفجير الذي قُتل على إثره عدد من كبار مسؤولي النظام ضمن ما عُرف بـ"خلية الأزمة"، ويستذكر "السالم" ما حصل صبيحة التفجير الذي ارتجّت لصوته أرجاء السجن، حتى ظن المعتقلون أن الفرع تم تحريره، وما هي إلا لحظات حتى دخل عشرات الضباط والعناصر يحملون هراوات وكرابيج وجنازير وفتحوا الزنزانات وانهالوا بها على المعتقلين لمنعهم من تنفيذ استعصاء مدني، وأمروا الجميع بالانبطاح على الأرض لمدة ساعتين، وسمع المعتقلون حينها أصوات اشتباكات أعقبت التفجير، وفي ذات اليوم تم إحضار 25 عنصراً من حراس الأركان للتحقيق معهم بخصوص التفجير وأحدهم –كما يؤكد محدثنا- كان معتقلاً بتهمة التعاون مع "جبهة النصرة" وإدخال عناصرها الذين فجروا المبنى.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية