"حجي مارع".. حارب النظام بعيدا عن السياسة والإعلام واقترح القضاء على التنظيم دون مواجهة

عبد القادر الصالح

لم يكن الثامن عشر من شهر تشرين الثاني نوفمبر 2013 يوما عاديا من يوميات الثورة السورية، بعد أن أعلنت القيادة العامة لـ"لواء التوحيد" نبأ وفاة قائدها العسكري "عبد القادر الصالح"، متأثراً بجراح أصيب بها إثر قصف جوي استهدف اجتماعاً عسكرياً للواء في مقره الرئيسي بمدرسة المشاة التي سميت باسم زميله "يوسف الجادر أبو فرات" بعد أن قضى أثناء تحرير المدرسة الواقعة بريف حلب الشمالي.

إعلان نبأ استشهاد "حج مارع" نزل كالصاعقة على الثورة السورية وجمهورها، لا سيما أنه جاء بالتزامن مع انتشار ظواهر شاذة منها تنظيم "الدولة الإسلامية" في مناطق كان يتواجد فيها شمال سوريا، ساهمت في حرف مسار الثورة وضياع بوصلتها، وأبرزها ظاهرة الخطف والاغتيالات.

كان استشهاد الصالح، أو "حجي مارع" كما يعرفه السوريون، بمثابة منعطف خطير في مسار الثورة السورية وتاريخها، خاصة أن توقيت استشهاده كان يمثل منعطفاً خطيراً ومرحلة مهمة من مراحل الثورة السورية، في وقت كانت التنظيمات المتطرفة تسعى لتوسيع نفوذها في المنطق وتقوية شوكتها وتصدرها المشهد لاحقاً.

يقول "مصطفى سلطان"، وهو مصور حربي عمل في "لواء التوحيد" منذ تأسيسه، وأحد الذين رافقوا "عبد القادر الصالح" خلال مسيرته منذ بدايتها، حتى يومه الأخير، إن "الحجي" كان يوصي المقاتلين التابعين له بضرورة التواضع مع المدنيين ومعاملتهم معاملة جيدة، وأن يكونوا حراساً لهم ولممتلكاتهم الخاصة.

وكان "الصالح"، حسب شهادة "سلطان"، يؤكد على عناصر وقادة "لواء التوحيد" بعدم الاستعلاء على المدنيين أو إرهابهم بالسلاح الذي يحملونه، حتى لا يشعروا بأنهم غرباء عنهم أو أشخاص يريدون التحكم بمصائرهم ومقدراتهم مثلما كان النظام وعناصره يفعلون.

ويتفق "عمير شعبان" الذي كان مقاتلاً في صفوف "لواء التوحيد" سابقاً، مع "سلطان"، معتبراً أن شخصية الشهيد عبد القادر الصالح "غير مفهومة" وبعيدة كل البعد عن التفسيرات المنطقة والعقلانية، حيث جمعت بين التمرد والشدة، والهدوء واللطافة.

ويشير "عمير"، إلى أن "حجي مارع" كان يتحاشى الكاميرات التي تلاحقه خوفاً على نفسه من الغرور، وكان يكره المؤتمرات واللقاءات المطولة خاصة تلك التي كان يُدعى لإجرائها في الخارج، حتى على صعيد السياسة كان يتحاشى الخوض في غمار المؤتمرات التي أجريت آنذاك، وكان يقول لرفاقه "دعوني وشأني أنا وسلاحي وثورتي، وأبعدوني عن متاهات السياسة وأغوارها".

ويذكر عمير "الصالح" بأنه كان كثير المرح، حيوياً لا يعرف الكسل، قائداً لا يخشى الخطر، متأهباً للموت في أي لحظة، لم يخاصم أحدا، إلا وبادر قبل أن ينام على أن يصالحه ويمازحه ويستسمح منه.

ويؤكد "مصطفى سلطان"، أن الصالح بحث قبل استشهاده مع أحد القادة العسكريين أمر تنظيم "الدولة الإسلامية" بعد أن ضاق ذرعاً بتجاوزاته واخطائه التي كانت تزداد يوماً بعد يوم، وأن أكثر ما أزعجه وأثار غضبه قيام التنظيم بخطف الإعلاميين والنشطاء، وأعلنها صراحة بعد اختطاف الناشط الإعلامي "عبد الوهاب ملا" قبل استشهاده بأيام، ودعا لاجتماع بينه وبين قيادات اللواء لوضع حد للتنظيم.

وأشار "سلطان" إلى أن "الصالح" رفض خلال الاجتماع قتال التنظيم أو مواجهته مواجهة مباشرة، واقترح أن يتم التخلص منه بطريقة أخرى وهي خطف قياداته وعناصره بعد استدراجهم إلى أحد المواقع البعيدة عن تواجد المدنيين وقتلهم فيها، حيث وافق الجميع على خطة "الحجي" واقترحوها على عدة فصائل أخرى تابعة للجيش السوري الحر، وكانوا بصدد تنفيذها لولا أن أحدا سرّب الخطة للتنظيم والذي قام بدوره بإعلان الحرب على فصائل الجيش الحر بعد ذلك.

لم يكن تاجر الحبوب والبذور الزراعية، والرجل الملتحي والملتزم دينياً قبل الثورة، يتطلع إلى أن تُخلده الذاكرة الثورية، ولم يرجُ أو يعمل لأن يكون أحد أبرز أيقوناتها التي تعيد من يستذكرها إلى أيام النقاء والثورة الجميلة، لكنه أصبح كذلك بعد أن شاهد السوريون جميعاً الحال الذي آلت إليه الثورة وأهلها بعد استشهاده.

كيف لا وهو الرجل الذي وجد أنه من الضروري أن يحف لحيته ويقصرها ما أن وجد نفسه بمنصب عسكري يمثل السوريين وثورتهم، لقطع الطريق أمام نظام كان ولا يزال يصور معارضيه بأنهم قادمون من جبال "تورا بورا"، وأنهم إسلاميون متطرفون.

قضى "حجي مارع"، وترك وراءه حملاً ثقيلاً وفصيلاً عسكرياً كان يعتبر من أكبر الفصائل العسكرية المقاتلة ضد النظام في سوريا، إلا أنه تفكك بعد استشهاده بوقت قصير، وضيعت الفصائل التي خلفته مناطق واسعة ساهم "الحجي" بتحريرها وانتزاعها من النظام، والتي كان أبرزها مدينة حلب التي سقطت قبل نهاية العام الماضي بأيام، وسبقها سقوط الكثير من القرى والبلدات في ريف حلب الشمالي لتتقاسمها قوات النظام مع تنظيم "الدولة"، ثم "وحدات حماية الشعب" الكردية وقوى أخرى.

زمان الوصل
(1122)    هل أعجبتك المقالة (1002)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي