أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

السياسة السعودية.. أن تخسر أكثر*

أرشيف

أن تخسر أكثر، أفضل عنوان يمكن أن يطلق على السياسة السعودية، عربيا وإقليميا، منذ زلزال احتلال العراق في العام 2003، حين أدارت ظهرها للنار المشتعلة بجنبها وكأن ما كان يحصل هناك من تمزيق لبنية العراق المجتمعية وتدمير لدوره الحضاري والعربي، يجري في أقاصي أمريكا اللاتينية أو في مجاهل أفريقيا الوسطى، وليس على حدودها وفي حضنها، وبالمحصلة قدمت الولايات المتحدة العراق لإيران على طبق من فضة، كما عبر وزير الخارجية السعودي الراحل الأمير سعود الفيصل.

في حينها اعتبرت تصريحات الفيصل، صرخة في وجه الولايات المتحدة، وقرأه كثر على أنه بداية لانتفاضة سعودية لاستدراك ما يمكن استدراكه، لكن السيف كان قد سبق العذل بمراحل، وكان النسّاج الإيراني الماهر قد أنهى سجادته وألقى بها على عموم العراق بعربه وكرده، واكتفى إعلام المملكة بشكل مباشر أحيانا وغير مباشر في أحايين كثيرة بشيطنة الشريحة التي كان من ممكن ان تحدث ثقبا في السجادة الإيرانية، أو على الأقل أن تكون منفذاً للرياض في الساحة العراقية، وبالنتيجة دفع العراقيون الثمن باقتتال طائفي مقيت.

قبل الوصول إلى الخسائر الكبرى في سنوات الربيع العربي، قتل رفيق الحريري رجل السعودية القوي في لبنان، وأحد أهم ضباط الإيقاع فيه، وبجملة نتائج ذلك الاغتيال أن خصوم المملكة أصبحوا أكثر قوة في لبنان، وفي استعراض للقوة وبرسائل واضحة كعين الشمس، لم يحتج هؤلاء الخصوم للسيطرة العسكرية على بيروت بكاملها في أيار من العام 2007 سوى ساعات قليلة.

جاءت سيول الربيع العربي مع مطلع العقد الثاني من الألفية الثانية، وبدا واضحاً أن ما سيحصل سيكون اكثر من تحركات شعبية ستقمع بعد أيام، على الأقل كان ذلك جلياً بعد انتصاف العام 2011، ووصولا إلى تلك الشهور كانت السعودية تقف موقف المتفرج مع تصريحات خجولة بين الحين والآخر، بينما أعلنت إيران موقفها بوضوح منذ اليوم الأول وتحركت وفق مصالحها، فبحثت عن منافذ للدخول إلى مصر بعد التحول الديمقراطي فيها، وأخذت موقفاً معادياً من الثورة السورية بل وكلفت أزلامها إعلاميا وأمنيا بتصدر الحالة، مع تحضير ذكي لما ستأتي به التطورات، ولم يقل الدهاء الإيراني في الملف السوري عنه في الملف اليمني، فبينما كانت تتردد المملكة في اتخاذ خطوات عملية كان إعلامها يغوص في ملفات الفكر الإخواني والبحث عن أدوات شيطنته هو الآخر، بينما كانت إيران تعزز من قدرات الحوثي وتحوله إلى ذراع عسكري لا يقل خطورة عن ذراعها الآخر في لبنان، وعندما تدخلت بشكل واضح في ملفات المنطقة قلبت الطاولة على نفسها وأضاعت فرصة أن تجعل البلاد العربية كلها تدار من الرياض، تلتها التخلي المجاني عن فرصة خلق تحالف تركي سعودي استبشرت به المنطقة عقب تسلم الملك مقاليد الحكم.

الآن وبعد أن وصل الاحتلال الإيراني لسورية أو يكاد يصل إلى مرحلة الاستعصاء حتى على الروس والأمريكان، تنشغل المملكة بتهويم إعلامي لحرب مع ايران عبر الساحة اللبنانية يرجح كثر أنها لن تحدث، وإن حدثت لا شك في أن السوريين من أبناء الثورة سيكونون معها، ولكن لتكن المملكة مع نفسها أولا.. وجل ما يخشى أن تساهم من حيث لا تدري في إعادة إنتاج الأسد، ليصبح الشعار الأنسب.. أن تعرف كيف تخسر أكثر.

*حسين الزعبي - من كتاب"زمان الوصل"
(169)    هل أعجبتك المقالة (204)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي