أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

كلهم "اونودا".. حسين الزعبي*

الدمار في دير الزور - جيتي

خلال سنوات الحرب العالمية الثانية أرسلت القوات اليابانية مجموعة عسكرية إلى واحدة من الجزر الفلبينية بقيادة "ملازم ثان" يدعى "اونودا" وكانت الأوامر المعطاة له هي منع تقدم القوات الأمريكية وعدم الاستسلام أمامها تحت أي ظرف.

في سياقات الحرب وكما يروى عن هذه القصة التي يعرفها الكثير، وصلت القوات الأمريكية إلى تلك الجزيرة واستسلم الجزء الأكبر من القوات اليابانية هناك والباقي قتل، لكن "أونودا" وثلة من رجاله نجوا من الموت واختبؤوا في جزيرة أخرى وبعدها بدؤوا ينفذون حرب عصابات على القوات الأمريكية المتواجدة على تلك الجزر وسكانها.

بعد أشهر ألقت الطائرات الأمريكية القنابل النووية على "ناكازاكي" و"هوريشيما" وبنتيجتها استسلمت اليابان، ووصلت الحرب إلى نهاياتها، وتبعثر الآلاف من الجنود اليابانيين في جزر المحيط الهادي ومن بينهم "أونودا" الذي بقي مختبئا في تلك الجزيرة واستمر بهجماته على السكان كما اعتاد أن يفعل من قبل.

الأمريكيون ومعهم اليابانيون بدؤوا بإلقاء منشورات تشير إلى أن الحرب انتهت وأن على الجميع العودة إلى ديارهم وبيوتهم ووقعت المنشورات بين يدي "أونودا" لكنه قرر أن يواصل القتال اقتناعاً منه أن هذه المنشورات خدعة أو تكتيك من الأمريكيين. بعد سنين قليلة عادت معظم الجيوش إلى قواعدها وبدأت الحياة تعود إلى طبيعتها شيئا فشيئا، ولكن "اونودا" ورجاله استمروا بقنص المزارعين وحرق المحاصيل وغيرها من الأفعال.

القوات الفلبينية بدورها قامت بإلقاء المنشورات للتنبيه بأن الحرب انتهت، ولكن لا حياة لمن تنادي، ومن ثم أرسل الامبراطور الياباني نفسه رسالة مرفقة بصور المفقودين وعوائلهم تناشده بالاستسلام، لكنه أصر على أنها خدعة وأنها لن تمر عليه، بعد سبع سنوات شنت القوات الفلبينية هجوما أسفر عن مقتل رفاق "اونودا" واستسلام آخرين. بقي "أونودا" وحيدا في الجزيرة إلى أن قرر أحد المغامرين ويدعى "سوزوكي" أن يذهب بنفسه للبحث عنه في الجزيرة، واستطاع أن يجده، وعندما سأله لماذا هذا الإصرار، قال ببساطة لأن الأوامر كانت ألا أنسحب تحت أي ظرف.

تحول "أونودا" إلى أسطورة في البطولة بنظر البعض، وإلى مجرم بنظر آخرين، والحقيقة التي لا تقبل الخلاف أنه أفنى نصف عمره مقاتلا في جزيرة يعيش فيها كما تعيش الحيوانات، ولم تقنعه كل الصور والمنشورات والوقائع المحيطة، بأن القضية التي كان يقاتل في سبيلها انتهت وعاش بعدها كيئبا في البرازيل.

مسألتان أعادتا هذه القصة إلى ذاكرتي الأولى من وحي خبر يتحدث عن تحول محافظة طرطوس إلى مدينة أنثوية بسبب كثرة القتلى من قوات النظام، وإن كانت طرطوس كذلك فمدن كثيرة باتت خاوية على عروشها فلا ذكور فيها ولا إناث، كل هذا الآن في سبيل ماذا؟ أية قضية عادلة تلك التي تستحق أن يدفع لها كل هذه الأثمان؟ لا أتحدث عن مبدأ الثورة فانطلاقتها كانت الحق بعينه، ولكني أشير إلى أولئك الذين مازالوا يعيشون في غابة "أونودا"، بينما النيران تلتهم اربع جهاتها. أما آن الأوان لحماية وإنقاذ ما تبقى من "الغابة الوطن"!!. أما المسألة الثانية، فهي من وحي نقاش بين صديقين، محوره طبول الحرب التي تقرع في هذه الآونة، إذ قال الأول "ليت هذه الحرب التي يكثر الحديث عنها، تبدأ اليوم قبل الغد، فعذابات السوريين ستتحول للعنة تلاحق كل من ساهم فيها"، فأجابه الصديق الآخر: "ليتها كذلك يا صاحبي، المشكلة أننا وربما معنا عراقيون ولبنانيون أبرياء سنكون وقود هذه الحرب".

*من كتاب "زمان الوصل"
(174)    هل أعجبتك المقالة (176)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي