استقال رئيس الحكومة اللبنانية، سعد بن رفيق الحريري أمس، ومن المملكة السعودية، بسبب معلن، أنه استشف أن التاريخ سيعيد نفسه، وأن ثمة تخطيطا لاغتياله قبل رأس السنة.
يبدو الخبر من التركيب والغموض، ما يثير الضحك والتفكير وفتح النبوءات على أقصاها أيضاً.
فمن ناحية أولى، من اغتال الأب، رغم ما كان له من وزن ودور وأهمية، يغتال الابن وبمنتهى البساطة، ومن ناحية ثانية، ليس أسهل من خلط الأوراق لإغراق لبنان بأولوية، تبعد المستحقات التي بدأت تلوح، إن من الضاحية وانفجار الفقراء وآل القتلى، أو ما يقال عن انتهاء دور حزب الله الوظيفي وربما ضربة إسرائيلية قاضية، بعد تقليم الأظافر ولمرات، عبر ضرب قواعده وأسلحته في سوريا.
وربما يوجد جهة ثالثة تتعلق بإبعاد الحريري الذي من الاستحالة قطع حبله السري عن المملكة، بواقع خروج الصراع السعودي -الإيراني للواجهة، بعد التصريحات الترامبية الجديدة.
بيد أن السؤال، بالواقع وبعلم الجريمة، لماذا ومن المستفيد؟
بمعنى آخر، هل يمكن أن يحقق حزب الله كل ما يريد، من إبقاء سلاح خارج سلطة الدولة، بل والتحكم بالقرار الحكومي رغماً عن واجهة رئيس الحكومة، كما حققه وخلال الفترة الوجيزة من تبوّؤ سعد رئاسة الحكومة، وربما بمقدمتها، دورانه في مكنة الحرب السورية وتحضيره للذهاب لدمشق وحديثه عن حصة لبنان بكعكة خراب سوريا، بل ونسف جريمة قتل أبيه وما يمكن أن يتمخض عنها من ملاحقات وإدانة وكشف مستور، إن لدمشق أو ضاحية بيروت الجنوبية.
قصارى القول: بعيداً عمّا يمكن اعتباره، لزوم ما لا يلزم، من توقيت الاستقالة ووجود نبيه بري بمصر أو ما قد يتأتى جراء الاستقالة من فراغ ويعيد لبنان إلى ما كان عليه قبل التوافق على "عون حزب الله الحريري". أو حتى ما يمكن أن يحدث، من امتصاص لبنان فورة هذه الضربة المفاجئة، من تشكيل حكومة تيسير أعمال، ثمة مجهزون لقيادتها من أمثال، وزير الدفاع اللبناني الأسبق عبد الرحيم مراد أو فيصل عمر كرامي وزير الشباب والرياضة.
لا يمكن إبعاد استقالة الحريري الابن، الذي توعد خلال الاستقالة "قطع يد إيران بالمنطقة"، عمّا بدأت ملامحه تلوح بالمنطقة، وأخص لحزب الله ثانياً ولإيران أولاً، فبعد انتهاء المخطط لسوريا واقتراب الفصل الختامي، لابد أن يأتي الدور على إيران، ربما لترتاح إسرائيل وإلى الأبد.
وفي أول تصريح لرئيس وزراء الكيان الإسرائيلي المحتل "بنيامين نتانياهو"، عبر حسابه على "تويتر"، قال إن استقالة رئيس مجلس الوزراء "سعد الحريري" وتصريحاته هي بمثابة مكالمة إيقاظ للمجتمع الدولي كي يتخذ إجراءات ضد العدوان الإيراني الذي يحاول أن يحول سوريا إلى لبنان آخر، مشيرا إلى أن هذا العدوان يشكل خطرا ليس على إسرائيل فحسب، بل أيضا على الشرق الأوسط برمته.
وأضاف: يجب على المجتمع الدولي أن يرص صفوفه ويواجه هذا العدوان".
نهاية القول: من السذاجة ربما، اعتبار استقالة سعد الحريري، قرارا فرديا أو حتى سعوديا فقط، بل ومن الحماقة المشي وراء ما سيق من أسباب وأن لبنان اليوم يشبه لبنان ما قبل عيد الحب 2005 ومقتل رفيق الحريري.
بل من ضرورة تحليل قرار الاستقالة الصدمة، وربطه بما بدأ يقال حول تمادي حزب الله وسيطرته على كامل لبنان وتنفيذه جميع المطالب الإيرانية وحلمها الفارسي النكوصي، إذ من غير السياسة ربما، فصل الاستقالة عن التصريحات الأمريكية أو حتى تغريدة رئيس وزراء إسرائيل.
وربما بإعلان أسباب استقالة الحريري أمس بالعلن، هي ما يقوله جل اللبنانيين الذين قهرهم حزب الله وجرهم عبر التفقير والوهم المقاومجي، وإن بالسر، بداية لـ"قطع يد إيران" ليس بلبنان فحسب، وإن جاءت البدايات، عبر طرائق غير عسكرية بالبداية، ليكون من بيروت، بداية نهاية وهم وأحلام الفرس الذين دمروا المنطقة، وربما لن يكون، لتبدأ مرحلة صراع أخرى بمستويات جدية وأكثر عمقاً وتعقيداً.
ليبقي حزن السوريين موصولاً عبر مصائر نيف ومليون لاجئ، قد يكون عبرهم بداية قصاص الحاقدين.
*عدنان عبدالرزاق - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية