أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

لكل سوريّ حكومة.. عبد السلام حاج بكري*

أرشيف

لا يتذكر السوريون من إنجازات الحكومة المؤقتة برئاسة أحمد طعمة سوى راتبه الذي تجاوز راتب رئيس حكومة الدولة المضيفة، وينطبق الحال على رواتب الوزراء والموظفين، فيما يصعب استحضار عمل نافع لهذه الحكومة.

حاول نفس الفريق اختراق قلوب السوريين عبر تشكيل حكومة في الداخل برئاسة جواد أبو حطب، لكنها فشلت في ذلك لأنها لا تمتلك جغرافية لبسط النفوذ، ولم تستطع تأمين موارد توظف في مشاريع خدمية وإنمائية، وسقطت في أول اختبار حقيقي عندما وجدت نفسها بدون مقدمات تدير أهم معبر حدودي مع تركيا.

لا يتحمل الطعمة وأبو حطب وحدهما مسؤولية الفشل، بل الجهة التي أوجدت حكومتيهما لأنها نالت علامة الصفر في العمل العسكري، وأرادت تقديم الامتحان من جديد بصيغة مختلفة، دون امتلاك مقومات ترفع درجة قبولها من السوريين.

الأمر ذاته ينطبق على حكومات وسلطات محلية أقامتها الفصائل العسكرية في مناطق متعددة، فبقيت بعيدة عن المقهورين الذين يسعون أولا وأخيرا إلى الأمان والطعام وبناء ما تهدم.

أما وقد انتهت الحرب تقريبا، واحتفظ كل فصيل مدني وعسكري بسلطته في منطقة نفوذه، فقد وجدت "هيئة تحرير الشام" الفرصة سانحة لتشكيل واجهة مدنية في جغرافيته، مدعوما من معارضين سياسيين وإعلاميين، ترى أنها قد تحقق ما عجزت عنه الحكومة المؤقتة، فتشرعن وجوده في إدلب وغيرها من مناطق نفوذه.

يتفق الإسلاميون ونظام بشار الأسد على تعويم ممارسات "تحرير الشام" العسكرية والمدنية ليظهرا معا كبديل معتدل يطرح نفسه في المحافل الدولية، وهذا هدف تساعدهما فيه قوى إقليمية ودولية وفي مقدمتها تركيا وروسيا، رغم تباين الرؤى فيما بينهما.

بين حكومة معارضة بدأت فاسدة وانتهت ضعيفة لا تملك من أمرها شيئا، وحكومات أمر واقع محلية قائمة على سلطة البندقية دون عمل مدني فاعل، وحكومة نظام مجرم قائمة على القتل والاضطهاد، وحكومة الإنقاذ التي شكلها الجولاني، يبحث السوريون عن حكومة أو سلطة مدنية ما، من جهة ما، توفر لهم بعض مقومات الحياة.

لا شك أن مبتغى السوريين ليس ضمن قائمة تلك المسميات، إنه في مكان مختلف تماما، لكن الضوء الأخضر العالمي لم يضئ معلنا ساعة الخلاص، رغم كل الإرهاصات والمتغيرات في القضية التي حصلت في الشهور الأخيرة.

وحتى موعد إطفاء الشرطي الإسرامريكي للضوء الأحمر، تستمر مقتلة السوريين بخرق طيران النظام وروسيا للهدن المعلنة، تتابع "تحرير الشام" مهمتها باستئصال الفكر الحر والمدني من ممارسات السوريين من خلال الاغتيالات والهيئات الشرعية الجاهلة بالدين والقانون التي تسهر على إقامة شرعة الجولاني بالسيف غالبا، ومن خلال واجهة مدنية مرفوضة تمثلها حكومة "محمد الشيخ" الذي تلوّن ما بين علماني وقاعدي حسب الحاجة.

قدر السوريين أن يتحكم بهم المتأسلمون وشذاذ الآفاق من الإرهابيين، ولكن الغريب في الأمر هو الصمت الدولي والإقليمي عن المنظمات الإرهابية، لا بل والتعامل معها كما حصل في اتفاقات نقل عناصر "داعش" من منطقة إلى أخرى، ويحصل مع "تحرير الشام" (جبهة النصرة) سابقا، التي بقيت بأمان رغم مرور عامين ونيف على تدخل روسيا الذي جاء تحت عنوان القضاء على "الإرهاب"، حيث ساعدها الطيران الروسي بسحق فصائل الجيش الحر.

وفي السياق ذاته، سؤال يطرح نفسه، كيف ستتعامل تركيا مع حكومة مؤقتة تحتضنها، وحكومة الجولاني التي وجهت جيشها للانتشار في بعض مواقع نفوذها، لا شك أن الجواب كامن في ثنايا الأوراق التي وقعتها مع روسيا، ولم تخرج للعلن، ولم يتم إطلاع السوريين عليها، وهم أصحاب العلاقة.

*من كتاب "زمان الوصل"
(120)    هل أعجبتك المقالة (141)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي