أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ماذا عن أشباه "بايزيد" بيننا؟.. ناصر علي*

أرشيف

نعم ربما فعلها محمد بايزيد وخدعنا، وتبدو القصة البطولية التي اخترعها واقعاً لا بد من أن نرضخ لتصديقه، وليس أمامنا من خيارات سوى أن نتوقف عن إيجاد المبررات القميئة لأخطائنا التي أودت بنا إلى ما نحن عليه اليوم.

بغض النظر عن تفاصيل الرواية التي يتناقلها من يصدق محمد بايزيد ومن يكذبه، وأولئك الذين يرونه بريئاً ويدافعون عنه كأنهم يبعدون الشبهات عن ذواتهم، والذين يريدون منه أن يعترف بذنبه في أنه خدعهم وأضر بالثورة ومصداقيتها، وبالسوريين الذين يخسرون يوماً بعد آخر من يتعاطف مع مذبحتهم...بغض النظر عن كل ما سلف لا بدّ من أن نكون أكثر حكمة في تشخيص أحوالنا المريعة.

السنوات الأخيرة من عمر الثورة حملت مفاجآت صادمة للذين وجدوا فيها خلاصهم، وانتموا إليها بأحلامهم ومشاعرهم، وظنوا في لحظات كثيرة أن من يهتفون معهم من ساسة وعسكر وإعلاميين هم من صنف الأنبياء والمنزّهين، والأنقياء الذين يبذلون كل ما لديهم من أجل انتصار أطهر ثورة في التاريخ كما كانوا يعتقدونها.

في الوقت نفسه كانت التجاوزات كبيرة، والغفران أكبر على اعتبار أن الأخطاء لا تصل إلى درجة المعصية في عقابها، وكان مجرد التلميح إلى فساد أحدهم يجعل من انصار نقاء الثورة يثورون ويزبدون، وهكذا احتملوا على سبيل المثال سرقتهم في صفقة الجوازات البائسة، واحتملوا فساد حكومة أحمد طعمة المؤقتة التي اهدرت مئات الملايين على وزرائها وسياراتهم وإقامات أبنائهم في أوروبا والشتات، وزاد الطين بلة حجافل الإعلاميين الذين أساؤوا للثورة ودُفعت لهم آلاف الدولارات على مجرد وجودهم الافتراضي.

من أجل طهرانية الثورة سكت الجميع عن تجاوزات دكاكين الإعلان بحقهم، ودفعوا ثمن هروب الكثيرين في البحر ليصيروا لاجئين سياسيين، ومن أجل أن لا يشمت بهم النظام وحلفاؤه صدقوا أكاذيب اخوة المنهج في التحرير والانتصار، واحتملوا نفقات كل المنظمات والتجمعات السياسية وخطاباتها المقززة، وسباب نساء الثورة اللواتي انقلبن عليها وبدان بشتمها بعد أن خلعن النقاب والحجاب.

وأما الذين دفعوا ثمن هذا الصمت فهم نفسهم المحاصرون اليوم في كل مناطق المعارضة ولا يجدون ما يطعمون أبناءهم، وفقط يبكونهم وهم يموتون من الجوع والمرض، وأما أمراء الحرب فيأكلون من مستودعات الغذاء المخبأة ما يبقيهم أمراء وقادرين على الموت والتفاوض.

لأجل كل هذا الخراب، ولأجل أن لا يستمر الكذب الذي يقود إلى الموت لا بد من أن يعترف بايزيد بذنبه، وكل أشباهه ممن وجدوا في هذه الثورة مجالاً للشهرة والخداع وجمع المال المسموم.

لأجل الحقيقة التي سيقبلها الجميع فهي ليست أصعب ولا أبشع مما وصلنا إليه.

يجب علينا ان نشير إلى الأخطاء والخطايا والموبقات، وأن نخلع القدسية عن كل ما اعتقدنا أنه كان منا ولنا...وأن نؤمن من جديد بثورتنا التي من أجلها مات كل أولئك الأنقياء.

*من كتاب "زمان الوصل"
(170)    هل أعجبتك المقالة (167)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي