أحفاد "كاوا".. متى يتحقق حلم الـ"ميديا"؟*

أتيحت لي فرصة مراجعة بعض ما كتبه أوجلان من سجنه في إيمرالي عبر محاميه حول مشروعه للشرق الأوسط الديموقراطي قبل نشره، أوصلها لي بعض الأصدقاء الكرد بهدف التدقيق والمراجعة، كانت طوباوية أكثر مما يتصور الطوباويون، تحوّل فيها "آبو" حالما بعدما كان يغوص في كل تلك المادية العسكرية والجغرافية والاشتراكية.
عدّلت الكثير فيها دون المساس بالمثالية الطارئة على الرجل، لكن لم يأخذ الناشر بما فعلت رغم أن الوسطاء في الموضوع أعجبوا بتعديلاتي، ومن المرجح أن "أوجلان" أصر على حرفية ما أملاه على محاميه، ما يؤشر على تضخم الذات والنظر بدونيّة إلى الآخر، كما فعل مع الأكراد حيث حاول تلقينهم ألف باء السياسة كما يريدها ويفهمها مرة بالقسر وأخرى بالنشر والتوزيع المجاني.
إنه نمط تفكير متجذر في القيادات الكردية، ويشهد التاريخ أن الملا البرزاني أعلن دولته "الخاصة" الكردية شمال غرب إيران قبل منتصف القرن الماضي في ظل وضع دولي لم يكن ليسمح بأي اهتزازات وقد خرج العالم توّا منهكا من الحرب العالمية الثانية، غير آبه إلا بحلم شخصي لم يكن أقرب مستشاريه يقبل به، وكان مصير تلك الدولة الموت بعد شهور قليلة.
البرزاني الوريث الشرعي، أو غير الشرعي، ظنّ أن المتغيرات الدولية والإقليمية تسمح لحلم جده بالتحقق اليوم، لكنه أوقف التنفيذ قبل الفجر في حالة وعي متقدمة على الجد، رغم أن مشروع الحفيد أقرب إلى الواقعية بسبب القبول الشعبي لكنه سبق الوقت بقليل، ولعل انتظاره ينمّ عن قراءة أكثر نضجا، بيد أن خطوة الاستفتاء تؤكد أن ذهنية التفرد بالقرار تلازم الذهن الكردي.
يبدو أن براغماتية الراحل قبل أيام "الطالباني" كانت درعا واقيا لكرد شمال العراق، حققت عبر استقلال غير معلن أكثر مما قد يحقق الاستقلال الكامل والمعلن، وهذا انعكس تطورا في نمطية التفكير الكردي في الدول المجاورة، وما نزول مقاتلي حزب العمال الكردستاني من الجبال إلى البرلمان في تركيا إلا نتيجة للطروحات السلمية لأوجلان والبراغماتية للطالباني.
أما كرد سوريا، رغم أن في داخلهم يعشش حلم الوطن المستقل إلا أنهم لا يزالون يختبؤون وراء مسميات أخرى كالفيدرالية والحكم الذاتي، ومن غبر المتوقع أن يقدموا على خطوة واسعة تذهب بآخر ورقة تستر انتهاكات "قسدهم" بحق العرب السوريين، لا سيما أن لا توافق دولي على استقلال كردي ناجز في أي منطقة من الشرق الأوسط حتى اللحظة.
فشل حلم الاستقلال الذي عملت عليه طويلا أسرة البرزاني، ولم يكن الطالباني من مؤيديه، كما دعا أوجلان إلى الانخراط في شرق أوسط ديموقراطي دون النظر للحدود والجغرافيا، وهؤلاء هم رموز الكرد في المنطقة سواء كان قبولهم واسعا أم محدودا، وعلى كرد اليوم وهم في طريقهم لتغيير هذه القيادات والرموز استخلاص الأفضل بين طروحاتهم، والقراءة الصحيحة لمتغيرات السياسة الدولية للخلوص إلى الحلم الذي يجب أن يرى النور لأحفاد كاوا.
ليس من حق العرب والفرس والترك وكل العالم وأد الحلم بـ "ميديا" الجديدة، وقد حان الوقت للنظر في سبل تحقيقه مع ضمان عدم معاداة المحيط أو إغاظة الشركاء المقيمين ضمن الحيز الجغرافي الكردي، وقد يكون السير باتجاه هذا الهدف بخطى مدروسة ومتوازية على عدة مراحل وفي كل دولة بقيادات شابة محترفة هو السبيل الأسلم.
إن في إيجاد حل للمشكلة الكردية في دول إيران والعراق وتركيا وسوريا يضمن مشاركة الكرد في صناعة السلام في المنطقة خير للجميع، ينزع فتيل الأزمات وقد بدت ملامح انتهاء العداء العربي الإسرائيلي وفي الوقت ذاته شارفت مهام التنظيمات الجهادية على الاختتام، إضافة لتوجه دولي لوقف التوسع الإيراني الطائفي.
لا شك أن مشروع الغرب وإسرائيل لا يتفق مع تطلعات شعوب المنطقة، ولا يأبه بها، ولكن يحق لهذه الشعوب الدفاع عن أحلامها، وهي قادرة على فعل الكثير إن عملت بجد وأصرت على رفض المقرر لها وعليها.
*عبد السلام حاج بكري - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية