لعل أفضل التحليلات وأقلها مشقة على العقل وأوفرها وقتا وجهدا هي التي تقول إن سبب معاناة السوريين بشقيها المعارض والموالي هو الكرسي.
والكراسي تختلف في رمزيتها فمنها ما هو سياسي ومنها ما هو ديني طبعا، بالإضافة لفروقات الاستخدام، فبعضه يستخدم ككرسي حمام، أو للمرحاض (بيديه) ومنه ما يستخدم للموالد الدينية والأعراس والمآتم والوزارات والرئاسة وغيرها الكثير الكثير من الاستخدامات وصولاً لكرسي الجلوس العادي الذي يتحمل خفيف الظل وثقيله وطيّب الرائحة ونتنها.
والـ"كُرسيّ" وجمعه كراسٍ وكراسيُّ مقعدٌ من الخشب ونحوِه لجالس واحد، والكُرْسِيُّ مركزٌ علميٌّ في الجامعة يشغَله أُستاذٌ والجمع كَراسِيّ، والكرسيّ البابويّ الرسوليّ وهو مركز إقامة البابا، كرسي المُلْك: عَرْشه. وفي القرآن الكريم آية الكرسيّ رقم 255 من سورة البقرة (وسع كرسيه السموات والأرض…) وفيها وسع كرسيه أي علمه ومنه جاءت تسمية الكراسة لتضمنها العلم.
وتؤكد المصادر التاريخية أن "الكرسي" من ابتكار الفراعنة في عصر الدولة القديمة أي حوالي 2500 ق.م، وكانت الكراسي الملكية تُصنع في ورش نوعية تتبع القصر الملكي، يقود العمل فيها موظف يحمل لقب المشرف العام على صناعة الكراسي ذات الأرجل.
وكان من الشائع في مصر القديمة أن يرث الابن مهنة ومكانة أبيه، فهناك على سبيل المثال أسر امتهنت الكهانة لقرون طويلة فكل جيل يسلم للتالي كرسي الكهانة.
وللإخوة المصريين السبق في احتضان الكرسي المرقسي الذي كان مقره مدينة الاسكندرية، وظل لقرون المقر الوحيد للبابا القبطى، وفي عصر الخلفاء الأمويين انتقل مقر إقامة البابا إلى القاهرة.
أما الكرسي في الرؤية فهو بحسب "ابن سيرين" يدل على السلطان والرفعة والشرف، ولا أعرف إن كانت تأويلات "ابن سيرين" تصلح لزماننا، فما أبقت تقلبات العصر على الكراسي سوى أرباب العار والانحطاط. وما جادت به مخيلة رسام الكاريكاتير الشهير علي فرزات يوما، أفضل من عبر عن حال الجالسين على الكراسي، إذ قدم في إحدى رسوماته وزير الإعلام الأسبق "عدنان عمران" الذي أطلق مقص الرقابة على صحيفة فرزات "الدومري"، على أنه شخص يجلس على كرسي الوزارة بجسد ضخم وله رأس ضخم ولكنه على شكل حذاء، أو حمار إن لم تخني الذاكرة، على كل حال لا فرق بين الحذاء والحمار وكل أولئك الذين أصلوا السوريين إلى ما هم فيه.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية