أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

شمس جديدة تشرق من سوريا.. عبد السلام حاج بكري*

من حلب - أرشيف

استوعب الغرب صدمة الثورات التونسية والليبية والمصرية، فتعامل مع كل منها حسب ما تقتضيه مصالحه وأهمية البلد الذي قامت فيه، فكان التغيير مؤقتا في الكبرى منها، وشكليا في تونس، وفوضويا في ليبيا ذات الأهمية النفطية بما يضمن تدفقه شبه المجاني.

أما في اليمن، فقد سعى الغرب لاستمرار استنزاف موارد السعودية ومجلسها الخليجي الهشّ، فسمحت بالتوريد الغزير للسلاح إلى الخصوم الحوثيين الذين يقاتلون باسم إيران وإعلاء لشأنها، فلم يسمح لقوة التحالف التي قادتها السعودية بحسم الصراع لمصلحة الفريق الذي تدعمه، وازداد خناق الحصار المؤلم عليها بانضمام اليمن "الحزين" إلى المحيط الخليجي المخترق بسكانه، مضافا إليه القنبلة الموقوتة في داخل السعودية والمتمثلة بانتماء أبنائها من الطائفة الشيعية لإيران أكثر، واستعدادهم للتحرك عند الإيعاز، لتزداد شراهتها للسلاح الغربي.

لكن في الثورة السورية دروس وغايات كثيرة دفعت الغرب باتجاه ما وصل إليه الحال، معتمدا على شركاء دوليين وإقليميين ومن سورية بشقيها الموالي والمعارض، وما كان ذلك عسيرا لأن لكل هؤلاء الموظفين غايات يعتقدون أنهم بهذا الشكل يستطيعون الوصول إليها، غير أن الحقيقة الساطعة أنه لن يكون على وفي الساحة السورية إلا ما تريده إسرائيل وأمريكا.

إن حجم التعب والألم الذي عاشه طالبو الحرية في سورية منذ بداية الثورة حتى اليوم الذي تولّد بسبب عدم إضاءة الضوء الأخضر الإسرائيلي الغربي بانتصار الثورة على حكم الدكتاتور، اتفق مع رغبة عربان الخليج الذين أرادوا تلقين من تسوّل له نفسه التفكير بالحرية درسا فيما سيحصل له، فقطعت الطريق على ثورات محتملة في ديارها.

قد تكون تركيا الدولة الوحيدة في العالم التي أرادت انتصار ثوار سوريا ودعمتهم حتى قبيل موعد الانتصار لمعرفتها الأكيدة بأن البديل الجاهز عن بشار ونظامه لن يكون سوى أنصارها من الإسلاميين، ولكنها تراجعت مرغمة بضغط لم يحتمله حزب العدالة والتنمية وبطله الإعلامي أردوغان، فسار في الركب حتى وصل للقبول بالقليل القليل، ليتفرغ لتجاوز المشاكل التي وضعها الغرب في طريقه من التهديد الكردي بالاستقلال في شمال العراق وسورية إلى نزع فتيل الأزمات الداخلية التي لن يكون أكبرها محاولة الانقلاب العام الماضي.

ليس مصادفة أن يعلن أكراد العراق رغبتهم بالاستقلال، ويعمل أكراد سورية على ذلك دون تصريح، وهم من أجل الإعداد ذلك احتلوا من الأراضي ما ليس لهم فيها الغالبية بدعم أمريكي، لعلهم يفاوضون عليها مستقبلا مقابل الاستقلال أو حكم لامركزي أو فيدرالي موسع.

إضافة لكل ما جرى، جاء الحراك الكردي باتجاه الاستقلال الذي رأى فيه البعض انتهازا لفرصة سانحة وفّرها انشغال حكومة العراق بدعم النظام السوري ومحاربة تنظيم الدولة، والفوضى على الساحة السورية، إضافة إلى السبب الأهم وهو الرغبة الأمريكية بإبقاء تركيا تحت الضغط، كل ذلك، ربما كان واقعيا غير أنه يندرج في إطار مخطط أوسع بكثير وضع شيمون بيريز أسسه قبل سنين يهدف لإقامة الشرق الأوسط الجديد.

الدولة الكردية في شمال العراق قادمة لامحالة، وستكون مرحليا هادئة مسالمة لمحاولة امتصاص غضب الجيران من كل الجهات، لكنها ستكون وظيفية بامتياز، فهي الضغط المرتفع الذي سيرافق تركيا خوفا من خطوة مشابهة للأكراد فيها، ولكنها قد تتسبب بالسكتة الدماغية لملالي طهران لأنهم يرون فيها العصا التي سيضرب بها الغرب الحرس الثوري الذي سيصنف إرهابيا قريبا.

مئات المليارات التي دفعها "محمد بن سلمان" لأمريكا عدا عن غاياتها الداخلية فهي ثمن مقدم لقصقصة الأجنحة الإيرانية في محيطها، وهذا يتفق مع ما وضعه بيريز بضرورة إضعاف كل الكبار في الشرق الأوسط وجعل التقرب من إسرائيل الأقوى غاية أولى.

لم تكن الفوضى في سورية طبيعية تشابه تلك التي تلازم بعض الثورات، لقد افتعلها الغرب ومن خلفه أو أمامه إسرائيل لتكون منطلقا باتجاه خارطة جديدة شرق المتوسط قوامها كانتونات ضعيفة لا تمتلك إدارة مواردها الطبيعية، ترتبط عضويا بإسرائيل، وللوصول إلى هذه الغاية دون مقابل وظفت المصارع بوتين والإيرانيين الذين ظنوا أنفسهم أذكياء باستغلال الفرصة لتعزيز تمددهم، وجعلت من أرواح السوريين ومستقبلهم وقودا لها.

*من كتاب "زمان الوصل"
(137)    هل أعجبتك المقالة (130)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي