لا معنى لهذا السؤال، ولا للاستهجان، ولا للدهشة في أن يفعل النظام الأسدي أي شيء يرضي غروره ومصالحه وتعاليه، فهو هكذا اعتاد أن يعامل خصومه وأصدقاءه وعبيده، ولا يرى فيهم أكثر من خدم مؤقتين ومن ثم تنتهي أدوارهم إما بالقطيعة أو القتل أو السجن.
هذا بالضبط ما حصل بالأمس مع "آل غريواتي" الذين قرر النظام أنهم انتهوا بالنسبة إليه، وسواء قدموا خدمات جليلة له فهو واجبهم، أو ناصبوه العداء وهذا عقابه.
سيقول البعض إن "آل غريواتي" يعاقبون لأنهم رفضوا أن يمولوا الشبيحة وعصابات الموت، وهذا ما دفع النظام لاستصدار قرار يحجز على أموال العائلة ويتهمهم بسرقة أموال الدولة عن طريق القروض غير المسددة، وهذا ما فعله مع كثر لما يستقم هواه معهم، وهذا يعني أنهم دفعوا ثمن وقوفهم ضد القتل مع أنه لم يصدر من كبيرهم وصغيرهم ما يدل على ذلك، وحتى "عماد غريواتي" الصناعي والتاجر ورئيس غرف الصناعة السورية جل ما فعله بعد المذبحة السورية أن استقال ثم صمت.
النظام بدوره يتهم العائلة الدمشقية بتمويل الثورة والثوار وهذا ما لم يؤكده آل "غريواتي" أو أي طرف في الثورة، ومن أجل هذا كان عليهم أن يغرقوا في الصمت أكثر، ولسبب مجهول أو حكمة فائضة أم ذعر كبير أم انتهازية تجارية بامتياز.
الذي لا شك فيه أن ما فعله "آل غريواتي" ينطبق على كثيرين من تجار العاصمة الذين لم يعلنوا موقفاً واضحاً مما يجري في بلدهم حتى أولئك الذين غادروه وتخلصوا من بطش قبضة النظام، ونقلوا أموالهم، واكتفوا بسماع التهم بالخيانة والعمالة وقلة الوطنية.
اليوم تفعلها مخابرات الأسد وتطالب بالحجز على أموالهم وهذا ما سيحصل لسواهم، فالنظام يرى أن بمقدوره حالياً محاكمة كل من صمت أو هرب أو تخاذل عن نصرته، وحتى أولئك الذين لم يصفقوا لمجازره خلسة.
وهنا بالضبط تبدو واضحة للعيان الأخطاء التي ارتكبها السوريون القادرون بحق أنفسهم أولاً ووطنهم ثانياً، وهنا سر الخذلان الكبير من الأهل قبل الأصدقاء وأصحاب المصالح، ولو أنهم وقفوا لحظة صدق مع أنفسهم لانتصرت الثورة رغم كل ما يحاك لها، ولكن من آثروا الارتهان لمصالحهم، وقبلوا أن يكونوا في الجانب الرمادي، والانتظار ريثما تميل الكفة لأحد المتصارعين.
تلك هي الحكاية السورية قبل أن تأخذها الأجندات الإقليمة والدولية، وهذا هو المصير الذي لم يكن ينتظره من يملكون الثروة والقوة، وتركوها مركونة إما في بنوك الغرباء أو تحت رحمة القاتل الذي اختار وقت ضربته فهم متخاذلون برأيه سواء مع من يراهم أعداءه أو من يراهم سنده وعضده.
النظام لن يتوانى بعد اليوم على محاسبة من لم يصفقوا لمقتلته الكبرى، ومن توانى عن دعمه بشتيمة، ومن ابتسم ساخراً أو شامتاً، أو حتى من اختبأ من قذيفة عشوائية...كل هؤلاء خونة ينتظرهم العقاب، فانتظروا إنا معكم منتظرون.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية