في مثل هذه الأيام من العام الماضي حصلتُ من صديق بريطاني على وثائق تتضمن ملخصا لمراسلات بين خارجيتي الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانية، موضوعها الحالة السورية، وتتمحور حول خطة مواجهة تنظيم الدولة "داعش".
أشارت المراسلات إلى تركيز العمل على هزيمة التنظيم في الرقة اعتمادا على قوات برية تابعة للنظام والقوات الكردية والعربية المنضوية تحت مسمى قوات سورية الديموقراطية "قسد"، رغم أن تركيا كانت تصر على أنها ستدعم قوات درع الفرات لدخول المدينة، غير أن الدولتين لم تتطرقا إلى ذلك بتاتا.
إلى حد كبير سار المخطط الأمريكي البريطاني دون تعديل مهم، لا سيما في الشق الذي أشار إلى أن التحالف والقوات البرية ستفتح طريقا لعناصر التنظيم باتجاه دير الزور، على أن يتم استهدافها مجددا هناك، وهذه المرة بشكل أعنف وأكثر دموية، وكان في المراسلات ما يشير إلى أن طيّ صفحة التنظيم سيكون في المدينة.
وآخر جملة تحديدا تدلل على أن مهمة "داعش" في سورية لم تنته بعد، فهو لا يزال يسرح ويمرح في البادية وشرقي السلمية وبعض مناطق درعا وفي جيوب أخرى، ومن غير المتوقع أن يتم الإعلان عن الانتهاء من الحرب عليه قبل إخراجه قسرا أو في الباصات المكيفة من هذه المواقع.
النظام و"قسد" والتحالف الدولي وتركيا وروسيا وإيران وكل الميليشيات التي تتواجد على الأرض لم تخض معركة حقيقية واحدة ضد داعش، كل ما جرى على الأرض أن هذه القوى كانت تقدم قرابين مجانية من أفرادها وعتادها الحربي ما تراه مناسبا لإخراج التمثيلية الهزلية الهزيلة التي يعيها السوريون على الأقل، من معارك متفق عليها مسبقا، انسحابات وتسليم.
الوثائق تحدثت عن مشاركة كونية في محاربة الإرهاب المتمثل في داعش، وها هي كل قوى الإجرام العالمي تدمّر دير السوريين وتقتل أهلها لتتقاسم في النهاية النفوذ وما يكتنزه باطنها من ثروات، غير معنية إلا ببث مشاهد القصف الجوي والصواريخ والقنابل التي تمتحن قدرتها التدميرية بأجساد المدنيين ومساكنهم، أما التنظيم "الفزاعة الكبيرة" ربما يكون غادر إلى موقع مهمته الجديدة، ومن المرجح أن تنتهي معركة دير الزور دون أن يقتل أو يؤسر عدد مقنع من عناصره في تكرار للمشهد السابق في الرقة.
لم تحدد الوثائق هوية الجهة التي ستدخل المدينة، ولكن كل مفرداتها كانت تلمح إلى قوات سورية معارضة وبعض العناصر الروسية والأمريكية، ولم تأت على ذكر قسد أو قوات النظام والميليشيات وهي التي تدخلها اليوم، وقد يكون ذلك التعديل الوحيد البارز فيها.
لن تمر أسابيع كثيرة حتى تعلن قوات التحالف وشركاءها الانتصار "العظيم" على التنظيم، لكن الكاميرات التي ستصور مسؤولي الغرب وروسيا في المدينة لن يكون في خلفية مشاهدها سوى أماكن فارغة كان يشغلها أبرياء قتلهم إجرام هؤلاء أو أرغمهم على النزوح عنها، ستعرض الكاميرات منازل وأسواق وجسورا كانت هنا، ولعل بعض المراسلين سيتجرأ على قول حقيقة إن الدول التي يظهر مسؤولوها في الصور هي التي قتلت ودمرت كل شيء إلا "داعش".
سترتفع في احتفالات المنتصرين أعلام النظام الأسدي وعشرات المليشيات والدول، لكن علم الاستقلال، علم الثورة، الذي يمثل الجيش الحر لن يكون يرفرف بينها رغم أن الذي قاتلوا تحته هم الجهة الوحيدة من بين كل هذه الأطراف التي قاتلت داعش بجدية وكانت العدو الوحيد لهذا التنظيم الذي روّع السوريين.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية