أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

هل يستحق السوريون أفضل من الأسد؟.. عبد السلام حاج بكري*

أرشيف

كثير من صفحات مواقع التواصل الاجتماعي تختص بنشر الغسيل الوسخ للسوريين ممن يدعون الثورة أو نصرتها، ويلحظ المتتبع لهذه الصفحات أن غير قليل مما تنشر من فضائح حقيقي، بل أن فضائح كبيرة لم تتطرق لها، ولا ينفي ذلك وجود كثير المغالطات والاتهامات غير الواقعية. بين ما تنشره هذه الصفحات ومشاهدات المراقبين تتقاطع المعلومات عن فساد مستشر في المنظمات التي وجدت لدعم السوريين، لا سيما تلك الموجودة منها في تركيا، وفي "عينتاب" التركية بشكل أكثر فظاظة.

من معلوماتنا وشهود عيان موثوق بصدقيتهم أن المصاريف التشغيلية لغالبية المنظمات تستهلك ما بين 30 و80 % من الدعم، وأن موظفين واستشاريين فيها يتقاضون رواتب تفوق ما يقبضه رؤساء دول، فعى سبيل المثال مدير إحدى المنظمات يتقاضى 6 آلاف دولار عن مهمته إضافة لمبلغ 10 آلاف دولار عن صفته الاستشارية في منظمة أخرى.

الرواتب المرتفعة تلتهم نسبة مهمة من موازنات هذه المنظمات، غير أن الفساد في عمليات الشراء وتلزيم المشاريع تبتلع النسبة الأكبر، كما أن إنتاجية الموظفين منخفضة لانعدام المهنية، حيث إن أغلب المنظمات باتت عائلية تضم المدير وزوجته وأخاه والشغالة.

ككل شعوب المعمورة، هناك الصالح والطالح بين السوريين، ولكن أن ينعدم الصالح في صفوف المؤسسات التي تصدرت المشهد الثوري جعل منها مواخير فساد سرقت أثمان دواء الجرحى ولقمة النازحين، فمخصصات الحكومة المؤقتة التي وجدت لتقديم الخدمات للسوريين ذهبت لسيارات فارهة استأجرتها برعاية رئيسها "أحمد طعمة" للوزراء ومعاونيهم، وجزء كبير منها تم تخصصيه كرواتب مرتفعة جدا لاستشاريين لا عمل لهم وموظفين بدون مؤهلات سوى القرابة والمناطقية مع الرئيس العتيد والمتنفذين من جماعته السياسية.

واستنزف المجلس الوطني ومن بعده الائتلاف أموالا طائلة كانت كافية لإسقاط الأسد لو وظفت في المكان المناسب لذلك، لكنها وظفت للمصالح الخاصة والدعم المشروط بالولاء لمانحه من الشخصيات النافذة فيهما.

الخلل الأكبر في مؤسسات المعارضة كان في طريقة اختيار شخصياتها التي تمت بناء على تفاهمات شخصية وحزبية برعاية إقليمية ودولية، ولم تعتمد آلية انتخابية تناسب الحالة الثورة السورية، فكان طبيعيا أن تصب اهتمامها على انتهاز الفرصة التي قد لا تتكرر في كنز الأموال في ظل غياب آلية رقابية تحاسب بصدقية ثورية.

لم يقتصر بلاء السوريين الأحرار على الطليعة السياسية ومنظمات الدعم بل تعداه إلى ما هو أخطر من ذلك، وتمثل في عمالة معظم القادة العسكرية للدولار، وانصياعهم التام لأوامر صادرة عن جهات خارجية أبعد ما تكون عن الانشغال بانتصار الثورة، واستمرأ القادة "العز"، وتحولوا إلى شبيحة كأولئك الذين يدعون محاربتهم.

حال السياسيين والعسكريين السوريين تبدل "إلا ما ندر" منذ مطلع عام 2012 من ثوار وثائرين إلى مأجورين وفاسدين خاضوا أكثر المعارك وفق أجندات الداعم غير بعيد عن هوى النظام، كما أسهم فساد السياسيين ومراهقتهم الفكرية في خسارة كل المواجهات التفاوضية مع الأسد، فظهر هذا وفق المنظور الغربي وحيدا دون منافس حقيقي على الساحة السورية.

كل ما ظهر في صفوف السوريين من فساد وانتهازية، والذي لا يتناسب مع بلد يشهد أعظم ثورة في وجه أكبر مجرم بحق شعبه، ليس سوى حالة شاذة لا بد أنهم قادرون على إنهائها ومحاسبة المسؤولين عنها في الوقت المناسب.

كما أنه لا يعكس حالهم في العموم، إنهم الشعب الخلاق النابض بالإبداع والتميز، وقد تكون هذه الميزات أحد أسباب استمرار الحرب عليه برعاية أممية منظمة تدعي العجز عن إيجاد مخرج منها، وهي تريدها، وتمد المجرم فيها بكل أسباب العمر المديد رغم توثيقها لإجرامه الذي تدينه فيه كل القوانين والشرائع.

السوريون المقهورون في الداخل وبلدان اللجوء أثبتوا أن إبداعهم لا يوقفه حقد سفاح، فتأقلموا مع مستجدات حياتهم ونزوحهم، بنوا أعمالهم وتجارتهم وتعليمهم، فكانوا متفوقين سبقوا المضيفين في الكثير من المجالات، وما القليل الشاذ إلا ما يماثل ذلك الموجود في كل المجتمعات.

خلّد التاريخ التميز السوري منذ الأبجدية، وسيسجل ما كتبه أطفال الحرية على جدران درعا، ويحفظ هتافاته المطالبة بالحرية والعدالة والديموقراطية، ولا شك أن الطلاب في مدارس وجامعات العالم سيدرسون يوما مفاهيم انتصار الحق وفق الصيغة السورية المتفردة، وسيرد ذكر الأسد وقيادات المعارضة السياسية والعسكرية بصفتهم مجرمين ساهموا بقتل السوريين وإطالة الحرب عليهم.

*من كتاب "زمان الوصل"
(127)    هل أعجبتك المقالة (134)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي