أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"زمان الوصل" تفند اتهام السوري الذي شغل بريطانيا والغرب بتعاطي الحشيش والخمور

الصورة التي تصدرت تقرير "ديلي ميل" وتحتها تعليق عن تعاطيه الحشيش والخمور، وهي صورة لا يظهر فيها سوى الشاي والعصير

• منشوران مجازيان كانا كافيين في نظر صحيفة عمرها قرن وربع قرن لاتهام اللاجئ بالتعاطي
• "جينز وتي شيرت" علامة تشبع "فروخ بالنمط الغربي
• قراءة وتحليل اللقطات والمنشورات يكشفان عن صورة مغايرة تماما لشاب متهم بالتعاطي علاوة على تهمة "الإرهاب"


"يتمتع بشرب الحشيش والفودكا كجزء من تطبعه بالنمط الغربي"... هكذا اختارت واحدة من كبرى الصحف البريطانية تقديم صورة للاجئ السوري الشاب "يحيى فروخ" ابن الواحد والعشرين عاما، وهكذا بدأت حملات النسخ واللصق عن تلك الصحيفة من مختلف وسائل الإعلام ومواقع التواصل، باعتبار ما قالته حقيقة لايرقى إليها شك، أو غير قابلة للجدل.

لكن ما عرضته صحيفة "ديلي ميل" لم يكن في حقيقته سوى قراءة خاطئة، ناجمة عن لي لعنق الأمور، واقتطاع لمنشورين من سياقهما من بين مئات الصور والمنشورات التي أدرجها "فروخ"، حسب ما تحققت "زمان الوصل"، حيث ظهر لنا أن سلوك ونمط حياة "فروخ" مناقض تماما للصورة التي قدمتها عنه صحيفة بريطانية، تعد اليوم ثاني أوسع الجرائد انتشارا في البلاد.

وبغض النظر عن دافع القراءة الخاطئة، إما تضليلا أو جهلا، فإن المستوى الذي ظهرت به "ديلي ميل" (ناهز عمرها قرنا وربع قرن) يدل على استهتار في التعاطي مع قضية خطيرة من هذا النوع، بحق شخص يعد "حديث الساعة" في بريطانيا وعموم العالم الغربي، كونه المتهم الثاني في قضية تفجير قطار للأنفاق في لندن، صباح الجمعة الماضي؛ أسفر عن جرح نحو 30، ورفع مستوى الإجراءات الأمنية إلى أقصى درجاته، وأعاد الحديث عن "الإرهاب" و"الإرهابيين" إلى الواجهة، ليسيطر على مشهد النقاشات والتجاذبات الغربية إلى حين.



*جدي وحساس
توضح تحريات "زمان الوصل" ومراجعتها لمعظم منشورات "يحيى فروخ" وتعليقاته، أن الشاب ورغم انقضاء 4 سنوات على وجوده في بريطانيا، بقي متمسكا بقدر لافت من موروثه "المحافظ" الذي يبدو أنه تربى عليه وسط عائلته ومجتمعه في محافظة درعا (مدينة الحارّة تحديدا).
وتفصح المنشورات عن شخص لديه تدين فطري كأغلب أفراد بيئته الأصلية، حيث نجد حسابه في "فيسبوك" مشبعا إلى حد ما بمنشورات دينية حول الصلاة والصيام والنبي صلى الله عليه وسلم، تضاف إليها منشورات وصور تكشف مدى تأثر الشاب بقضية سوريا وفلسطين على وجه الخصوص، وحساسيته تجاه المظالم التي يتعرض لها هذان الشعبان.

كما لا يمكن للشك أن يتسرب إلى موقف الشاب "فروخ" في موالاته للثورة السورية ورفعها لعلمها، من خلال أكثر منشور يظهره على تماس مباشر بما يحدث في سوريا، رغم بعد المسافات.

أما كلام "فروخ" وتعليقاته التي تتبعناها، فتؤكد أننا أمام شاب محافظ إلى درجة لافتة، قياسا بعمره وبكونه وصل إلى بريطانيا وهو في مرحلة حرجة من المراهقة (تحت سن 18)، كما تظهر لنا شابا غير ميال كثيرا للمزاح والمشاكسة، وليس لـ"صرعات" الشباب من وجود على أجندته، حيث تتسم تعليقاته بالهدوء والاختصار والبعد عن الألفاظ النابية والجارحة، التي تعد إلى حد ما سمة من سمات تعليقات الشباب على مواقع التواصل.

ويأتي التدقيق في الصور وتعابير الوجه، ليكشف لنا أن هناك تطابقا وتصالحا بين الشخصية الحقيقية لـ"فروخ" وشخصيته "الافتراضية"، إذ تبدو صور وتعليقات وآراء "يحيى فروخ" ضمن سياق واحد تقريبا، ولا تحمل سمات تضارب كتلك التي يمكن أن نشهدها في شريحة من الحسابات (كأن يتحدث الشخص مثلا بلغة تتصنع الجدية ثم تكون صوره وما ينقله خلاف ذلك، أو العكس).
فمن بين مئات الصور التي عاينتها "زمان الوصل" وحللتها في حسابي "فروخ" على "فيسبوك" و"إنستغرام"، يصعب بل ربما يستحيل العثور على صورة لهذا الشخص الذي ما يزال في ريعان شبابه وهو يقوم بحركة غير اعتيادية، أو يبتسم ابتسامة واسعة أو فاقعة (بخلاف أقرانه وحتى أصدقائه)، بل إن أغلب صوره تبرز شخصا بوجه حزين قلق وعيون حائرة.. وجه يعكس روحا مليئة بالهموم وتائهة بين الكثير من الأسئلة، ويعكس شخصية أكبر من عمر صاحبها البيولوجي بعقد أو ربما عقدين.



*الإثارة بالتكرار
وفي سبيل مزيد من التحقق، راجعت "زمان الوصل" سلوك "فروخ" على صفحات أصدقاء وأقارب له يشاركونه العمر والغربة، فوجدت -ضمن ما عاينته- اتساقا في تعليقاته على حساباتهم كما يعلق على حسابه، بهدوء واختصار وجدية، تنم عن شخصية ثابتة وغير متلونة، وليس لديها أكثر من وجه.

وفي الخلاصة الناجمة عن مقاطعة المعلومات والصور والمنشورات والتمحيص فيها، يتبين أن السمات العامة لـ"عمر فروخ" هي: المحافظة، الجدية (المفرطة أحيانا)، القلق، الحزن، الاشتياق إلى الأهل والوطن، التألم من الغربة ومشاكلها، وهي صفات لايمكن بحال من الأحوال أن تتسق أو تستقيم مع شخصيات تتعاطى المخدرات أو المسكرات.. فمن أين جاءت "ديلي ميل" بما رددته إذن؟

لابد قبل الخوض في الطريقة التي حصلت بها "ديلي ميل" على استنتاجها، أن نشير إلى أمر في غاية الأهمية، يتعلق بتكرار الصحيفة لمفردات: "فودكا"، "حشيش" و"مخدرات" قرابة 20 مرة في العنوان والنص والتعليق على الصور، وهو ما يظهر هوسا بالتسويق والإثارة الفارغة، يفترض أن لايليق بصحيفة واسعة الانتشار، ويفترض أن لايليق بها أكثر عندما تتناول شأنا حساسا للغاية، يمس بريطانيا بشكل عام، ويمس خصوصيات ومستقبل "فروخ"، الذي ما زال مجرد متهم في القضية.

لقد أقرت "ديلي ميل" أنها استندت في مزاعمها حول تعاطي "فروخ" للحشيش والخمور، على منشوراته في "إنستغرام"، دون أن تخبر ملايين القراء بالجزء الآخر من الأمر، وهو أن هذه "المستندات" لا تشكل سوى 2 من أصل 171 منشورا أدرجه الشاب على حسابه في "إنستغرام" وحده، فضلا عن مئات أخرى أدرجها في "فيسبوك"، وهذا ما يظهر لنا مدى ضآلة النسبة، ومدى ضعف الاعتماد عليها وتعميمها من الناحية الرقمية على الأقل.
وإذا ما تجاوزنا لغة الأرقام والنسب إلى من النواحي الأخرى، فسنجد أن رواية "ديلي ميل" تضعف أكثر فأكثر، فقد غفلت الصحيفة أو تغافلت عن سياق هذين المنشورين اللذين استدلت بهما، وعن طبيعة "اللغة" التي يستخدمها الشبان العرب (والسوريون بالذات) في منشوراتهم.

فالكلام عن "الحشيش" و"التحشيش" لا يبدو أكثر من مجاز، ولغو ربما يتكرر عشرات آلاف المرات يوميا في تعليقات ومنشورات شباب سوريا، دون أن يقصد الكثيرون بتعبيراتهم هذه الكلمة بحرفيتها، بقدر ما يستخدمونها للإشارة إلى حالة أو موقف ما، فإن قال أحدهم: "الحالة صار بدها حشيش"، فهو يعبر عن سوء الوضع، ولايقصد الترويج للحشيش، وإذا خاطب صديقه بالقول "أنت محشش؟"، فإنما يقصد: هل دهاك شيء، أو هل فقدت صوابك، وليس معناها: هل تناولت الحشيش.

هذا أولا، أما ثانيا، فإن "ديلي ميل" أبرزت العبارة الإنجليزية التي تقول: "لحياة أفضل فإن عليك أن تحوز الحشيش والفودكا والمخدرات"، بينما تعامت عن الترجمة العربية الساخرة لها: "لحياة أفضل عليك أن تتحلى بالصدق، الكرم، حسن الأخلاق" واتبعتها بعبارة تؤكد أنها مجرد هزل بهزل تقول: "اللي يعرف إنجليزي يسكت".. فكيف للصحيفة أن تستنتج من منشور ساخر أنه دليل على تعاطي من نشره للمخدرات والخمر، بل كيف لها أن تتجرأ على هذا الادعاء والمنشور في النهاية ليس سوى صورة جاهزة ربما يكون قد تناقلها الملايين على سبيل الدعابة لا أكثر.. فهل سيغدو كل هؤلاء حشاشين وفق هذا المعيار؟

أما المنشور الآخر فيبدو مجرد لوحة بسيطة رسمها "فروخ" بقلمه في شهر أيلول 2014، وفي أعلاها مبان وعلى جانبها سيجارة ينبعث منها دخان، وذيلت بعبارة إنجليزية تقول: "دخن الحشيش كل يوم"، وهي أيضا ليست دليلا على أن الشاب يتعاطى الحشيش، بقدر ما هي تعبير دارج على ألسن الشباب قد يدل في أحد معانيه على كثرة التدخين، فمن يدخن بشراهة يقال إنه "يحشش" في عرف السوريين، وربما غيرهم.



*بخيل بابتسامته
ولكن لنضرب صفحا عن كل الاستنباطات التي أوردناها سابقا فيما يخص منشوري الحشيش والخمور، ولنعد إلى تفحص شخصية "فروخ" من خلال منشوراته وصوره، أي من خلال حسابيه على "فيسبوك" و"إنستغرام"، حتى نحاجج "ديلي ميل" بنفس الطريقة والأدوات التي اعتمدتها، وسار الكثيرون على نهجها، قصا ولصقا.

إن التدقيق من جديد في الصور، يظهر وجه شاب حائر حزين ليس لا تبدو عليه "شقاوة" الشباب الذين من عمره، حتى تلك الصورة الكبيرة التي استلتها "ديلي ميل" من حساب "فروخ"، وعلقت تحتها بأن الشاب "يبدو مستمتعا بتدخين الحشيش وشرب الفودكا كجزء من حياته المتحولة بشدة إلى النمط الغربي"... حتى هذه الصورة، لايبدو فيها أي شي عادي.. بل مجرد أباريق وفناجين شاي، وكؤوس عصير وماء، ويبدو فيها "فروخ" كالعادة "بخيلا" بابتسامته، وكأنه يبتسم مجاملة لا أكثر.

ولمزيد من الإيضاح، فإن جدية "فروخ" وابتسامته المقتضبة، هي سلوك منتظم في كل صوره تقريبا، حتى في الصور التي يظهر من يشاركونه في غاية الفرح، وهو ما يؤكد طبيعة الشاب، وجديته التي تتنافي مع تعاطيه الخمور والحشيش، لاسيما أن أول ذرائع من يتعاطون الحشيش هو أنه يساعدهم على "الانبساط" وتناسي همومهم وأحزانهم، وهو ما لاينطبق على "فروخ" الذي يندر أن تجد له صورة غير حزينة.

وأبعد من ذلك، فإن التدقيق في ملامح وجه الشاب من خلال صوره، لايظهر عليه أي آثار لتعاطي المخدرات من إرهاق أو احمرار شديد في العينين أو تغير في لون البشرة (مقارنة بصور سابقة)، فضلا عن أن الشاب كان يعمل في مطعم للوجبات الحلال، ولاشك أن رب العمل وزملاءه كانوا سيشعرون بتعاطيه مهما حاول إخفاء ذلك، وهو عكس ما باحوا به لـــ"ديلي ميل" نفسها وفي نفس التقرير، حينما أخبروها عن اتزان سلوكه وبعده أي شيء مريب.. فأين نذهب بهذا التناقض؟!

وليس هذا كل ما يثير التساؤل والاستهجان من تقرير "ديلي ميل"، فهناك إلى جانب الاستخفاف باتهام "فروخ" بتعاطي الحشيش والخمور، استخفاف بقراء الصحيفة وبعموم السوريين، وسكان الشرق الأوسط أجمعين، حيث لانعلم معنى إصرار الصحيفة وتكرارها 5 مرات لمصطلح "المتغرب جدا"، أي المتشبع بالنمط الغربي، وأين لمست ذلك في صور الشاب السوري؟


*قارب الأميرة نسمة
إن كل صور وتعليقات "فروخ" التي تابعتها "زمان الوصل" بدقة، لا تظهر أي صدمة أو انبهار بالغرب، رغم صغر عمر الشاب، ورغم أن بريطانيا في عداد أكثر دول العالم تقدما، وليس هناك ما يوحي بأن الشاب سعى أو تطلع لتحويل نفسه إلى غربي"، فحتى على مستوى الشكل، بقي الشاب محتفظا بجديته وصرامته، ولم يبد عليه أي تغير "تغريبي" من التغيرات السطحية التي يصر البعض على تبنيها.. (فليس هناك مثلا قصة شعر غريبة و لا لباس مستهجن ولا حتى وشم أو قرط في الأذن.. فمن أي توصلت "ديلي ميل" إلى وصفها هذا وعلى ماذا بنته؟.. ؟.. لقد لمسته وتوصلت إليه -ولكم أن تصدقوا- في ارتدائه "بنطال جينز وتي شيرت" كما ورد في نص التقرير على لسام أحدهم، وهو دليل كاف على إغراق اللاجئ السوري في النمط الغربي ، وكأن الناس في سوريا أو في عموم الشرق الأوسط ليسوا سوى كائنات من نزلاء كهوف العصر الحجري يسترون عوراتهم بورق الشجر؟ 

وعلاوة على كل ما سبق، من المهم أن نعلم أن "أحمد يونس فروخ" والد "يحيى"، توفي قبل نحو شهرين ونصف، وتحديدا في 29 حزيران/ يونيو من هذا العام، كما تأكدت من ذلك "زمان الوصل" وهو ما زاد من أحزان الشاب الحزين بطبعه أصلا، والذي يشعر باشتياقه الجارف لأهله ودياره.
ومن المهم أيضا أن نعلم أن "يحيى فروخ" عانى الأمرين حتى وصل إلى بريطانيا، وأنه ركب مع حوالي 200 شخص قاربا متهالكا من شواطئ مصر حتى إيطاليا، في رحلة يعرف كل ما عاينها ما يمكن للمرء أن يقاسيه من أهوال حين يحوم شبح الموت فوق رأسه كل دقيقة (للمفارقة كان اسم القارب "الأميرة نسمة"!).

بقي أن نعرف أن في حساب "فروخ" ما يثير الاهتمام أكثر بدرجات من منشور عابر عن "الحشيش" أو صورة له ببنطال جينز و"تي شيرت"، وهو ما يفترض أن تطرحه "زمان الوصل" في تقرير لاحق حالما تكتمل تحرياتها. 

وأخيرا:
لم يكف إعلام الغرب أن فتح شهيته على تناول قضية السوريين وقضايا اللجوء من زاوية شاب لايزال في دائرة الشكوك ولم يدخل بعد دائرة الاتهام، بل إن هذا الإعلام ذهب وبكل أسف إلى تبني استنتاجات ونسج روايات تذكر السوريين أكثر من غيرهم بقناة "الدنيا"، التي اشتهرت بكمية البهارات الزائدة في أخبارها، ما جعلها بالفعل بحاجة إلى "محشش" ليستسيغها.

إيثار عبدالحق –زمان الوصل
(203)    هل أعجبتك المقالة (229)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي