أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

السوريون يتامى على موائد اللئام.. عبد السلام حاج بكري*

من درعا - جيتي

وكأن وفد المعارضة المشارك في لقاءات الأستانة لم يحفظ من تاريخ سورية سوى مقولة "لم يكن بالإمكان أفضل مما كان"، إنه، وقد وافق على أن تكون إيران، نعم إيران، بعد كل ما فعلت بالسوريين، ضامنا للاتفاقات وقف التصعيد، نسي أو تناسى أو لم يطلع أصلا على أي إيجابية أو موقف مشرّف في تاريخ سوريا، وبنى موافقته على تلك المقولة الاستسلامية.

إن أكثر قرارات الأستانة فظاظة هي تلك لم يطلع عليها السوريون في حينها، وعلموا بها عبر تسريبات لاحقا، إن في إخفاء تلك المقررات التي فرضت على الوفد المعارض "مسلوب الإرادة والقوة" لهو استخفاف به وبمن يمثل، لقد فرّط المشاركون بحيائهم وكرامتهم قبل أن يفرطوا بحقوق السوريين ومطالبهم بالحرية والكرامة.

أذعن الوفد المعارض للتفاهمات التي ضمنت مصالح روسيا وإيران وتركيا في سوريا، ونسي ما ذهب لأجله في الجولة الأخيرة وكل ما سبقها، فقبوله بإيران وروسيا كضامنتين للاتفاقات يعني أنه وافق على تسليم رقبة السوريين وما قاموا لأجله للخصم، وقد بات حكما، ولم يبق سوى أن يوافقوا على أن يغدو النظام ضامنا أيضا.

لم تكن للقاءات الأستانة غاية سوى شرعنة المصالح الروسية في سورية، ولم يكن لهذه اللقاءات أن تعقد دون مشاركة أطراف آخرين، فتمت دعوة تركيا وإيران كشهود زور على ما تقرره روسيا ومن خلفها الغرب، ويقتضي البروتوكول تقديم مكافأة للمشاركين، فاقتطعت لهما بعض النقاط الجغرافية، ومصالح أخرى تتراوح بين طائفية واقتصادية، على أن يقوم الجزّارون الثلاثة برعاية الذبيحة.

اتفق الثلاثة، وربما كتبوا ووثقوا، بعد استشارة كبار الغرب وأمريكا، وربما تمت الصياغة هناك، وفي الأستانة تنال شرعية الإعلان، وفي الوقت عينه يبلّغون اليتامى السوريين الموجودين بما توصلوا إليه، تاركين لهم حقّ الجعجعة بعد الطحن.

ولا يقتنع عاقل بأن ما يجري في الأستانة بعيد عن الهوى الأمريكي، بل يذهب إلى أبعد من ذلك، بأن يتبنى نظرية التكليف الأمريكي لروسيا برعاية المصالح ولا سيما الإيرانية حتى لا تظهر أمام الرأي العام العالمي بأنها تدعي كذبا معارضتها للوجود الإيراني، وهي ترغب به باعتباره امتدادا لنفوذها.

وحيث يغيب العرب قسرا عن هذه اللقاءات إما بسبب عدم رغبة الأقوياء بوجودهم أو لانشغالهم "بشدّ" براغي كراسيهم الأبدية وخلافاتهم خالية المعنى والهدف، مع هذا الغياب بقي السوري المعارض يتيما على كرسي هامشي مقابل كل الوحوش الضارية، وإلى جانبهم الخنجر المسموم المسلّط على رقابهم، والمتمثل بالنظام وعملائه بين ظهرانيهم.

من حق السوريين الأحرار أن يلوموا مشاركة وفد المعارضة في مباحثات محسومة النتائج، لأن هذه المشاركة تجعل منه شاهد زور ومشرعنا لهذه النتائج، ومن حقهم أن يلوموه على كل شيء سوى حقّه في السياحة المجانية على حساب العدو.

ولأن البراغماتية منهج عمل إسلاميي المعارضة وهم يشكلون غالبية أفراد الوفد، ويهيمنون على قراره، فإنهم واستجابة للضغط التركي وسعيا منهم للتقرب من إيران رغم إمعانها بالدم السوري، هرعوا للمشاركة بعد أن أغروا بعض الكراكوزات بمرافقتهم لإضفاء أكثر من لون على المشهد غير آبهين بموقف السوريين منها.

يسعى هؤلاء المتأسلمين لوضع ثمار، أي ثمار، في سلّتهم، ولا مانع لديهم إن كانت عفنة، وقد حان موعد القطاف، ويخشون أن تبقى تلك السلّة فارغة بعد أن لفظهم الطيف السوري وكشف مخططاتهم الانتهازية القائمة على السعي للسلطة حتى لو شاركوا النظام بشكل مباشر وغير مباشر في زهق أرواح الطامحين للحرية والعدالة.

*من كتاب "زمان الوصل"
(130)    هل أعجبتك المقالة (109)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي