....
عندما كنت أشرح له حالة المجتمع المتميزة عندنا في سوريا من حيث الانسجام والبعد عن أي نقاش يتسم بالطابع المذهبي أو الطائفي أو أي شكل من أشكال العصبية وان هذه هي حال السوريين منذ الأزل.
أجاب معلقا ً : نعم ياعزيزي أنا أوافقك ولكن ربما كان لقسوة السلطة تجاه هكذا أمور دورا ً مهما ً في تكريس ذلك , وهذا أمر جيد .. لكنك وكما قلت لي أنها قد باتت تشكل تراكما ً ثقافياً بمرور الوقت جعل المجتمع السوري متميزا ً عن غيره من المجتمعات العربية .
مع ذلك أرى أنكم تستحضرون الآلهة في خلافاتكم أو مشاكلكم ..أنتم ياعزيزي لاتعترفون بأخطائكم وتسندونها الى الآلهة أو كما تطلقون عليه القضاء والقدر .. أنا أفهم أن القضاء والقدر يسند اليه مايعجز الانسان عن تفسيره ومع ذلك فهو وعندما يجد تفسيرا ً منطقيا ً علميا ً يخرج من دائرة القضاء والقدر .. ألا ترى أن حادث سير ينجم عن سرعة زائدةأو إهمال أو عدم التقيد باشارات المرور ونظام السير أو بسبب خطأ أو عطل لم يتم تداركه في السيارة لاعلاقة للقضاء والقدر فيه .. ولايمكن اتهام الاله به ..مع ذلك ..أنتم تتهمونه .. تقولون هذا قدره .. أنا لاأفهم كيف أن الاله يريد الاضرار بالانسان .. أنا أفهم أنه يريد الخير كل الخير له .. وكما علمت واطلعت أن ثقافتكم الدينية تقول أن الاله قد كرم الانسان على كافة المخلوقات وسخر كل شي ء لخدمته فهل يعقل أن يتسبب له نفس الاله بالاذى .. هذا تناقض ياعزيزي .. هناك فهم ما خاطيء عندكم .. أنا لاأزعم أن كل شيء عندنا مفهوم بشكل صحيح ومنطقي وسليم .. ولكن هذه القضية قد وجدت الحل لها في ثقافتنا .. نحن نبحث في الخطأ وأسبابه ونقر به .. لانرى أن هناك داع للتهرب من المسؤولية وكل يتحمل نصيبه من المسؤولية , والا كيف سنجد الحلول لكافة مشاكلنا . . ان اسناد كل شيء للقضاء والقدر .. يجعلنا نتكيء على الغيب دون بحث جدي في الأسباب والمسببات وبالتالي فان الأخطاء تتكرر وتتراكم وتتفاقم بحيث تصبح عصية على الحل .
أجبته أن موضوع القضاء والقدر عندنا هي قضية ايمانية وربما انك تبالغ في تفسيرها بسبب بعض الالتباس بتأثير بعض المتشددين الذين يصرون على مفاهيم مضى عليها الزمن كما هو الحال لدى كافة الشعوب اذ أنك تجد شرائح مختلفة بعضها متخلف أو متشدد يعميه التشدد عن الفهم المنطقي العقلاني .. لاأنكر أن هذا التفسير يعود لعصور سابقة مضت وانتهى الأمر . لكننا نحن نفهمها على أنها غير ماذهبت أنت اليه .. نحن نفهم القضاء والقدر ونؤمن به كما هو مطلوب حقيقة ..
وأقصد أنه مجموعة من القواعد تشمل المجتمع والطبيعة والكون يتضمن الالتزام بها أو مخالفتها ايجابيات أو سلبيات . وعلى سبيل المثال .. ان المجتمع تحكمه منظومة أخلاقية يتوجب الالتزام بها حفاظا ً على متانته وتطوره فاذا خالفتها جزءا ً أو كلا ً هذا سينعكس سلبا ً أول ماينعكس على المخالف فاذا تغاضى المجتمع عن هذه المخالفات انعكس الأمر سلبا ً عليه كله ليتفكك ويتخلف ويصاب بشتى الأمراض من تشرذم وتخلف وهي أحكام مسبقة جاهزة كما القوانين الوضعية .. كذلك البيئة وقواعدها الشديدة فإن عدم الالتزام بها سينعكس أضرارا ً فادحة على البيئة والحياة .
هكذا الفرد .. أن تلقي بنفسك من ارتفاع شاهق معناه الموت المؤكد أو على الأقل ايذاء جسدي بالغ . أليس هذا يعني مخالفة المنطق والعقل .. اذا ً فان المقصود بالقضاء والقدر هو الحكم على قدر المخالفة ويشمل الحكم أيضا ً على قدر الالتزام بمعنى أنه يتضمن جانبان ( سيء وجيد ) .
كأن تحال الى المحكمة لسبب ما..؟ فيقضى فيه لك أو عليك بقدر المخالفة أو الجريمة ..؟ .
وهذا هو المفهوم الحقيقي كما أراه أو أعتقده .. وقد يكون هناك من يخالفني أو يوافقني هذا المفهوم وقد يجادلني البعض بحالات غير مفهومة وينسبها للقضاء والقدر ..هنا تجد من لايبحثون عن القاعدة التي تحكم مااتفق على تسميته بالحالات الغير مفهومة فينسبها الى المجهول . لذلك يمكنك أن تعثر في المقدس عندنا على عبارة ( كل شيء بقدر ) و( كل شيء قدرناه تقديرا ) والمقصود هنا أن لكل شيء قاعدة تحكمه بقدره وبالعامية نقول ( على القد ) أي بحسب حجمه ودوره .
أجابني وقد ارتسمت علامات الحيرة على وجهه ..
صدقني أنها المرة الأولى التي أسمع فيها مثل هذا التوضيح .. فقلت له بتلقائية ذلك أنك لاتقرأ وتكتفي بما تسمعه من أكاذيب وماتردده بعض أجهزة الاعلام السيئة والمعادية لنا . وهي التي تركز على بعض المتشددين الذين يحاربون أية بادرة عقلانية حفاظا ً على مصالحهم وهناك أمثالهم عندكم كما هو عندنا .. فهل تعجبك أن نحكم عليكم كمجتمع استنادا ً لمثل هذه الظواهر .
لاأخفي عليك أن المجتمعات تعج بالآراء المختلفة وأشكال الايمان المتناقضة والمختلفة أيضا ً ولكن الحكم يجب أن يستند على الحالة العامة .. فاذا توفر الانسجام في المجتمع معنى ذلك أن الايجابيات هي الطاغية وبالتالي فان السلبيات يجري تفكيكها بمرور الوقت نتيجة التراكم الثقافي المعرفي الذي لاينقطع .
تابعت.. ياعزيزي نحن هنا وبسبب الموقع والبترول وتناقضات السياسة العالمية والأطماع بثرواتنا يريدون ابقائنا مجرد مستهلكين وسوقا ً لمنتجاتهم الكاسدة .. لقد جعلوا من منطقتنا مكبا ً لنفاياتهم فألقوا بأكوام من شذاذ الآفاق والعنصريين في فلسطين ليكونوا عامل تعطيل وحروب وفتن تشد اهتمامنا عن الواقع وتعرقل تطورنا بشكل ينسجم ومخططاتهم ..
نعم هناك تقصير وأخطاء نرتكبها بحق أنفسنا ومنطقتنا .. مع أننا قادرين على المباهاة بأننا الأكثر وعيا ً وثقافة ً وانسانية ً من غيرنا وهذه لاتلقى التقدير الكافي ..
ربما ذلك عائد لنوعية القوى السياسية التي تحكم الغرب والمنسجمة مع القوة الأكبر بدافع المصالح كما أنه عائد في الوقت نفسه لتخلف القوى السياسية التي تحكمنا والمدعومة من الغرب كما بدا ذلك بشكل فاضح ووقح في الآونة الأخيرة .. انظر الى لبنان ومايحدث فيها .. لقد وقف النظام الأمريكي بشكل وقح الى جانب قوى خائنة ومعادية لبلدها وللمنطقة تماما ً كما يقف الى جانب اسرائيل بكل ماتفرزه من عنصرية وتطرف وجرائم ضد الانسانية . .؟ .
رد علي بشيء من الحدة قائلا ً .. انتبه لست أكثر مني انتماء ً للمنطقة ولاداع لأذكرك ان أهلي عاشوا هنا وكانوا يحملون أجمل الذكريات وخاصة أننا في اليونان أقرب اليكم من بقية الشعوب الأوربية .. أضاف .. أن كل ذلك لايعفيكم كشعوب من المسؤولية .. ماهو الدور الذي تقوم فيه شعوب هذه المنطقة بمواجهة كل ذلك .. هل أذكرك بمواقف الرأي العام في كثير من القضايا والمناسبات وتحركه الى جانبكم بينما أنتم تتفرجون عليه وكأن القضية لاتخصكم .. أنتم حتى الآن غير منسجمون مع قضاياكم المصيرية ولاأقصدكم في سوريا أو لبنان أو مصر ..ولكن هناك دولا ً أخرى ..هناك البقية .. وكأنهم لاعلاقة لهم بكل مايحدث .. لابل أنني قد لاحظت وجود عداء لأهم قضاياكم من بعض تلك المجتمعات تجاوز عداء اسرائيل وماأسميته أنت بالقوى الخائنة .. أليس هذا عائد لاستحضار الآلهة الى أمكنة غير مناسبة .. المشكلة فيكم كشعوب قبل الأنظمة والقوى الأجنبية .
- يتبع .
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية