الشاب العشريني لم يتلكأ أبدا في الإجابة على تساؤلي لماذا لم تعد إلى دمشق..نظر إليّ وفمه مملوء بالكلمات المتدافعة: "سيأخدوني فوراً إلى الجبهة على من سأطلق النار، وعن أي شام سأحارب، الأولى بالدفاع عن نظام بشار الأسد هم من جاؤوا للدفاع عنه".
استرسل بعدها دون سؤال: "لم يعد لنا مكان في بلدنا، وفي دمشق لم يبقَ غير بعض الأحياء الصغيرة التي لا يوجد فيها مظاهر لطم حتى الأموي السنّي بامتياز تزوره وفود الحسينيات الشيعية وتعقد حلقات البكاء والعويل وتقبيل أخشاب المنبر".
اليوم في الأستانة تنعقد الجلسة السادسة من المؤتمر الذي تنظمه وترعاه روسيا، وتحاك فيه القسمة بين دول النفوذ على الأرض، واليوم يريد الإيرانيون والأتراك والروس تمرير وقف إطلاق النار في إدلب وضمها لمناطق خفض التوتر، والثمن جنوب دمشق كهدية لطوق الشام الشيعي الي بات في طور الاكتمال.
جنوب دمشق أول الثائرين على نظام الأسد، ودفعت أحياؤه التاريخية ثمنا باهظا من الدمار والشهداء والمعتقلين، وسكانه الذين ينتمون لقلب العاصمة ومن مهجري الجنوب سواء من أهالي القنيطرة وحوران استطاعوا الصمود طويلاً على الحرب وعلى الحصار، وبالرغم من الهدنة الموقعة مع النظام، إلا أن الميليشيات الشيعية ما زال تحلم بالوصول إلى هذه الأحياء والانتقام من أهلها وتوسيع سيطرتها الطائفية التي ستجعل من "السيدة زينب" قلب المحيط الشيعي الذي تريده إيران وحزب الله.
الأهالي انتفضوا على ما سرب من تفاصيل الاتفاق التركي الإيراني وأعلنوا رفضهم الخروج من ديارهم لأنهم يدركون أن الخروج يعني اللاعودة في أي تسوية قادمة، وأن هذا ما سعى إليه النظام منذ اللحظة الأولى لاشتعال الثورة، هو نفسه ما تصّر عليه إيران وميليشياتها، وأن هذه الأحياء هي التي كسرت الطوق الذي طالما أراده الأسد الأب ونظامه لخنق دمشق برعاع الطوائف، وما "المزة 86، وعش الورور، ومساكن العرين ودمر وقدسيا"، إلا مستوطنات لأعوان النظام وحاضنته الطائفية.
إن أتم المتفاوضون في أستانة مشروعهم التقسيمي لسوريا الموزعة بين المتنفذين المحتلين فهذا يعني أن هذا سيحصل لأول مرة في التاريخ، حيث تسقط دمشق بأيدٍ طائفية سوداء الطوية والنوايا، وهذا سيعني على المدى القريب استكمال طرد أهلها خارج السور الجديد الطائفي، ومن هنا ندرك لماذا تدعم إيران مشاريع إعادة الإعمار (وفق تسمية النظام) في المزة وكفرسوسة، وبالتالي تهجير كل هذا الطيف المختلف عن النسيج المراد إلى الضواحي وربما تكون إدلب هي المنتهى.
بحجة الدفاع عن المقامات والعتبات المقدسة دخل الإيرانيون وحزب الله إلى سورية، واليوم يريدون حماية محيط هذه العتبات وتوسعتها عبر طرد سكان ببيلا وبيت سحم ويلدا، وغداً سيكون مصير سكان داخل العاصمة ليس ببعيد عما يحصل، وقد لا نستغرب مطالبات بترحيل سكان دمشق القديمة لحماية مقام "السيدة رقية"...هي دمشق الجديدة التي تريدها إيران وذيلها الطائفي الصغير المقيم في المهاجرين.
*ناصر علي - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية