أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"الباكير".. صريع "المجهول" الذي يخفي وراء اسمه جبلا من صراع المليشيات والجرائم الممتدة حتى مذبحة تدمر

سعد الدين الباكير.. شقيق جزار تدمر ووالد النقيب القتيل ربيع - زمان الوصل

• مع كل حاضر وتاريخ آل "الباكير" الموغل في الإجرام، فإنهم لم يستطيعوا لمس شعرة من "قنطار" لا بعيد الاعتداء ولا عقب حادثة القتل.
• منذ أيام المدرسة كان "ياسر الباكير" صاحب سلوك جانح، استثمره الأسد جيدا في مجزرة تدمر.
• النقيب القتيل كان يرسل التهديدات لغريمه، لكنه سقط صريعا وبقي غريمه طليقا.

لم يكن مقتل رئيس فرع الدوريات في الأمن الجنائي بحمص الضابط "ربيع الباكير"، ليبدو أكثر من حادث اعتيادي للغاية، في بلد يتساقط كبار ضباطه ومسؤولوه صرعى منذ سنوات، فما بالك والقتيل ليس سوى نقيب، وجهته التي يخدم لصالحها ليست إلا جهازا محدود الصلاحيات، قياسا بالأجهزة الرسمية وغير الرسمية التي تغرق "سوريا الأسد" في مستنقعها.

ولكن ما بدا أقل من اعتيادي في ظاهره، يخفي في باطنه معلومات وقصصا أخذت "زمان الوصل" على عاتقها النبش فيها وملاحقة خيوطها، لتكشف عن الصورة الكلية لمشهد مصرع "الباكير"، وامتدادات هذا الاسم في تاريخ إجرام النظام وصولا إلى مذبحة تدمر، بل وإلى ما قبل المذبحة، يوم بدأ حافظ الأسد يزرع بذور الشقاق الطائفي، ويدق أسافين الكراهية بين السوريين بواسطة "رجال" انتقاهم لهذه المهمات القذرة.

*تشظٍ واسع 
في ليلة التاسع عشر من آب/ أغسطس، احتك النقيب "ربيع الباكير" بمجموعة من مليشيا "نسور حمص" يتزعمها عسكريا شخص يدعى "علاء قنطار".. كان احتكاكا عنيفا كلف النقيب الذي تلطى خلف تعليمات "السيد الرئيس" كرامته، ورضوضا وكسورا وجروحا، مع حفلة شتائم وإهانات وجهها "قنطار" له على الملأ.



"الباكير" الذي عجز عن استخدام سلاحه وقت اللزوم للدفاع عن نفسه تجاه من أذلوه وأطلقوا عليه النار، تقول تحريات مؤكدة لـ"زمان الوصل" إنه سارع ومنذ الساعات الأولى للواقعة إلى محاولة التعويض والثأر لكرامته المهانة عبر إرسال تهديدات كلامية صريحة لعلاء القنطار، مفادها: ستدفع ثمن ما اقترفت مع مجموعتك، أيامك باتت معدودة، استعد للموت في أي مكان (البيت، الجبهة..) فرجال "الربيعة" (قرية الباكير) يتأهبون لـ"اصطيادك" مع عناصرك.

ولكن "الباكير" الذي كان يتوعد من أهانه سقط بعد نحو أسبوعين قتيلا برصاصات "مجهولة" أطلقت عليه وهو يقوم بدورية على طريق حمص-طرطوس، دون أن يستطيع النيل من خصمه، بأي شكل من الأشكال، إلى درجة أن "الباكير" وكل من وراءه عجزوا عن إقناع أو إجبار الجهة التي يعمل لصالحها "قنطار" بتسليمه للتحقيق معه في جرم الاعتداء على ضابط أثناء تأدية واجبه، والشروع في قتله، وظهر عجز هؤلاء بشكل أجلى وأكبر عندما فشلوا في جلب "قنطار" لأخذ أقواله بخصوص جريمة القتل، وهو الشخص الذي يفترض المنطق الجنائي أن يكون على رأس قائمة المشتبه بهم.

لقد كشف عراك "قنطار" مع "الباكير" ومقتله لاحقا.. كشف عن مستوى جديد وغير مسبوق من الصراعات الطاحنة، التي تشظت إلى درجة أنها لم تعد تحسب على مستوى التشكيلات (مثل سرايا الدفاع والوحدات الخاصة في الثمانينات)، ولا حتى على مستوى المجموعات، بل باتت تحسب على مستوى الأفراد، حيث بات كل مسلح "دولة" قائمة بذاته.

فبعد تجميد دورها لسنوات ونيف، بدأ النظام مؤخرا في محاولة إحياء القوى والتشكيلات التابعة لوزارة الداخلية، في مسعى منه لفرض حد أدنى من الانضباط ضمن المناطق الواقعة تحت سيطرته، التي باتت مرتعا لتجاوزات الشبيحة ضد حاضنتهم.

*يحمل لقب الجزار
رغم ضآلة المهمات التي ألقيت على عاتق أجهزة الداخلية، كمصادرة الدراجات النارية أو ملاحقة "فيميه" السيارات، أو القبض على صغار اللصوص، ورغم التعليمات المشددة التي تحرم عنصر الداخلية وحتى الضابط من استخدام سلاحه عندما يتعرض لتهديد أو اعتداء.. فإن الحال لم يعجب لا عناصر الجيش النظامي ولا حتى المرتزقة المتعاقدين مع أجهزة المخابرات، والمنضوين تحت لواء "الدفاع الوطني"، فهؤلاء يعتبرون كل من يتبع لوزارة الداخلية في مستوى أدنى بكثير من توقيف أو تفتيش أو محاسبة من "ضحوا بدمائهم" و"حموا البلاد"، حسب رؤيتهم، حتى ولو كان رجال الداخلية ينفذون "تعليمات الرئيس".

هذه النظرة الدونية لمنسوبي الداخلية، أشعلت فتيل صراعات بينهم وبين الشبيحة بمختلف أنواعهم وتبعياتهم، وصلت حد التصفية، كما في حادثة مقتل رئيس قسم الأمن الجنائي بمصياف "محمد درويش"، ثم مقتل "ربيع الباكير" بعد ذلك بنحو 20 يوما.
وإذا كان "حيط" النقيب درويش "واطيا" كونه ابن إدلب، فإن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة للنقيب القتيل "ربيع باكير"، الذي ينتمي لعائلة يكاد يكون كل ذكورها مجندين في الجيش والمليشيات، فضلا عن انتمائه الطائفي الواضح، وتحدره من قرية "الربيعة" المعروفة بإفراط أهلها في المولاة والتشبيح، إلى درجة وصفها بـ"قرداحة الغاب".

وتقول معلومات "زمان الوصل" إن الغالبية العظمى من أقارب "ربيع الباكير" منخرطون في مليشيا مسماة على اسمهم "مجموعات الباكير"، وفي مقدمتهم والده "سعد الدين" الذي يعد من كبار الشبيحة في منطقته، علما أن المليشيا تخضع لقيادة "فريد الباكير"، الذي يهتم إلى جانب قيادة عصابته بتربية "الخيول العربية الأصلية"، وقد كانت آخر مشاركاته قبل أسبوعين في إحدى المسابقات بحماة، لينال "شهادة شكر وتقدير" من محافظ حماة.

ونظرا لضخامتها وتماسكها كون كل قادتها وعناصرها الفاعلين تقريبا من عائلة "الباكير"، فقد غدا لهذه المليشيا صيت مرعب في ريفي حمص وحماة، عززته بسلسلة من المجازر البشعة تضمنت التمثيل بجثث الضحايا، كما حدث على سبيل المثال في قريتي الكريم وقبر فضة.
ويكفي للدلالة على ضخامة "مجموعات الباكير" الاطلاع على عدد القتلى المنتسبين لها، والذين يشكلون نسبة عالية من مجموع قتلى "الربيعة"، وقد أحصينا في هذا التقرير بعض أسمائهم، ومنهم: يائيل هايل الباكير، يامن فيصل الباكير، يحيى نصر الباكير، فاطر محمد باكير، محسن محمد باكير، رياض الباكير، أحمد علي الباكير، موفق يحيى الباكير، عناد طاهر الباكير، شفيق محمد الباكير، وائل محمد الباكير، فاطر محمد الباكير، يوسف محمد حسون الباكير، وعيسى أحمد الباكير.

ولكن هذا ليس كل رصيد عائلة "الباكير" لدى نظام الأسد، فلديهم ما هو أكبر وأخطر وهو "ياسر الباكير" جزار مذبحة تدمر الكبرى، التي وقعت صيف 1980 وقضى فيها مئات المعتقلين رميا بالرصاص، عندما داهمتهم قوات من "سرايا الدفاع" في مهاجعهم.
وتكشف تحرياتنا أن "ياسر الباكير" هو أخو "سعد الدين" والد النقيب القتيل "ربيع"، بل إن لقب الأخير هو "أبو عمار" وهو نفس لقب عمه ياسر، المولود عام 1955 لأبوين يدعيان مصطفى وتمرة.

*سابع سبعة
تتفق مختلف الشهادات والتقارير المتعلقة بمجزرة تدمر على ذكر "الملازم أول ياسر باكير"، كونه واحدا من 7 ضباط تورطوا مباشرة في تنفيذ المذبحة، وقد ورد اسم "باكير" صراحة على لسان صفي الضابط "أكرم بيشاني" و"عيسى فياض" اللذين شاركا في المذبحة، وقبض عليهما في الأردن بعد نحو 8 أشهر من المجزرة، متلبسين مع عدد آخر في جريمة التخطيط لاغتيال رئيس وزراء الأردن "مضر بدران".
وكان "ياسر باكير" يخدم يوم المجزرة في صفوف اللواء 40 بقيادة "معين ناصيف" زوج ابنة رفعت الأسد، ولشدة طائفيته وثقة النظام به، فقد عُين "ياسر باكير" يومها نائبا لقائد المجزرة العملياتي "المقدم سليمان مصطفى".

وقد حرص "باكير" على أن لايخدش عمله "البطولي" خادش في أعين "رفعت" و"ناصيف"، فأوصى عناصره أن يكذبوا على "ناصيف" إذا سألهم عن سر إصابة أحد المشاركين في المجزرة، ويخبروه بأن الأمر لايتعدى مجرد "طلقة مرتدة".

ويبدو أن طائفية وإجرام "ياسر باكير" ليست وليدة مجزرة تدمر، بل هي متأصلة معه حتى قبل أن يعرف صراع الإخوان المسلمين مع نظام الأسد، وهو ما ينص عليه الكاتب "العلوي" علي ديوب، في مقالة نشرها عام 2012، تحمل عنوان "حماة بين زمنين"، حيث يروي كيف تولى الأسد ورجاله شحن المدينة الوادعة "حماة" بشتى أنواع الكراهية والاستفزازات والطائفية منذ أوائل السبعينات.

ويستدل "ديوب" على كلامه بابن "يوسف الأسعد" عضو قيادة "حزب البعث" الذي كان يدخل المدرسة الثانوية بمسدسه، بينما كان "ياسر الباكير" في حوزته "سلاحا أبيض"، وكأنهما داخلان إلى ميدان معركة وليس إلى مؤسسة تعليم وتهذيب.

ورغم أن النظام "غضب" على "باكير" أواخر عام 1999 واعتقله لتواصله مع "رفعت"، الذي كان يعد العدة للانقضاض على الحكم بعدما علم يقينا بدنو أجل أخيه حافظ.. رغم كل ذلك فإن الاعتقال لم يكن سوى "فركة إذن"؛ لتعود علاقة "باكير" بالنظام إلى طبيعتها.. علاقة خادم بسيده، ينفذ ما يؤمر به مهما كان موبقا، ما دام هذا السيد يؤمن لعبده الحصانة ويمنحه الصلاحيات والمكافآت.


ومع اندلاع الثورة، عاد "ياسر الباكير" ليجدد عهد طائفيته وانحرافه مع النظام، فزج بأولاده في المليشيات، ومنهم: ضرار، وسوار، وقد قتل الأخير في حي عكرمة الموالي بحمص في شباط 2012، ليتصدر جزار تدمر المشهد بوصفه أولا "والد شهيد" وثانيا بوصفه عضوا في مجلس الشعب (بين عامي 2012 و2016)، وثالثا وليس أخيرا بوصفه رجل "رامي مخلوف" في حماة وممثل مليشيا "البستان" في المحافظة.

*صك رسمي
وهكذا يتضح أن "ربيع الباكير" ينتمي إلى عائلة لديها من الحاضر والتاريخ الإجرامي الكثير، ومع ذلك فقد عجزت أن تثأر له من تغول "علاء قنطار" ومجموعته، وضربهم وشتمهم له، سواء عبر الطرق المليشاوية (خطف قنطار، إيذائه..)، أو عبر الطرق الرسمية القاضية باعتقاله لتورطه مباشرة في الاعتداء على ضابط في الأمن الجنائي.

وتفاقم عجز "الباكير" بكل مجموعات المرتزقة التي لديهم، عندما سقط " النقيب ربيع" برصاصات "مجهولة"، حيث لم يستطيعوا أن يمسوا شعرة من غريمه "قنطار"، ولا أن يقنعوا "الجهة" المتعاقد معها على أن تسلمه لـ"الدولة" من أجل التحقيق معه، لا بل إن هناك معلومات متواردة عن أن "قنطار" بصدد استصدار وثيقة رسمية من الجهة التي يعمل لصالحها، تثبت أنه كان موجودا في الجبهة ساعة مقتل " ربيع باكير".. وبمعنى آخر، استصدار صك تبرئة رسمي من دم النقيب؛ ما يوضح في النهاية طبيعة العصابات التي أفرزتها السنوات الأخيرة، وهي عصابات استعصى إجرامها حتى على أرباب الإجرام من عائلة "باكير" وفي مقدمهم عم النقيب القتيل وأبوه وأولاد عمومته.
ويبدو أن مفاجآت ملف النقيب "الباكير" لن تنتهي قريبا، لاسيما مع تأكد فريقنا الاستقصائي من وجود صلات وثيقة لـ"علاء قنطار" بعدد من الذين يخدمون في سلك الشرطة والأمن الداخلي، ومن بينهم أناس يعملون في حمص، وربما يكون لهؤلاء يد في مراقبة "الباكير" وتسهيل مهمة اغتيال عبر إفشاء تحركاته.


إيثار عبدالحق - زمان الوصل
(335)    هل أعجبتك المقالة (464)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي