لم تعد إسرائيل تأبه للحاكم القادم في سورية كائنا من كان، وقد تنافست أمريكا وروسيا وإيران على حماية حدودها والسهر على أمنها، وملأت الساحة السورية ممثلين لها بشكل مباشر أو عبر شركاء تنفيذيين من أقصى المتطرفين الإسلاميين إلى المعتدلين.
بعيدا عما يتداوله الإعلام وما تعبر عنه التصريحات العلنية، لم يعد من الممكن لبشار الأسد أن يستمر في قيادة سورية بعد كل الأدلة على إدانته بعشرات جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ورغم أن إسرائيل قادرة عبر الحلفاء على تسمية وفرض الرئيس الجديد إلا أن تركيزها منصب على سحب عناصر القوة أو احتمالها من سورية اليوم والغد.
عندما تقصف إسرائيل موقعا لا يعنيها إن كان للنظام "الحليف الأبدي" أو لحزب الله "الشريك غير المعلن"، إنما تستهدف ما يمكن أن يكون بذرة ينطلق منها مؤشر قوة عسكرية أو بحثية، وهي تعلم جيدا أن أدمغة غير صغيرة تعمل فيها من كوريا الشمالية وإيران وربما روسيا.
الأسدان الأب والابن لم يُشعرا الدولة اليهودية بالخوف يوما، ولن يحمل الخليفة القادم غير ما كان في جعبة الاثنين، إلا أنه ممنوع على الجميع امتلاك عناصر قوة تفاوضية أو تهدد الأمن الإسرائيلي فيما لو تجرأ أحد على شدّ ظهره بها.
قبل قصفها لمركز بحثي في مصياف دمرت مركزا بحثيا في جمرايا بريف دمشق، واستهدفت صواريخ بالستية في محيط قاسيون، كما أحرقت صواريخها شحنات أسلحة كيمياوية حاول الأسد تمريرها لحزب الله في لبنان، ممعنة في إبقاء محيطها ضعيفا رغم تحالفها المعلن والمبطن معه، إنها تضمن أمنها بنفسها ولا تعتمد على الآخرين أو تمنحهم ثقتها، هذا خط أحمر.
سياسة إسرائيل الدائمة إبعاد الخطر قبل التلويح به، وتنتهج في ذلك سياسة عدم الخسارة، فهي لا تدفع ثمن انتصاراتها بل توكل للصغار إنهاء بعضهم مع ما يحتاج ذلك من دماء، ففي لبنان كلّفت حسن نصر الله بسحق المقاومة الفلسطينية المشاغبة، فأبعدها عن الجنوب بعدما عجز عميلها السابق أنطون لحد عن ذلك.
وتخلصت من أسلحة النظام الكيماوية عبر تلك المسرحية التي رعاها كيري ولافروف، بعدما دفع 1500 سوري أرواحهم ثمن استخدامها في الغوطة.
وخلال مدة التدخل العسكري الإيراني في سورية والتي تجاوزت خمس سنوات، لم تجد إسرائيل منه ما يهدد أمنها فلم تقصف مقرا واحدا للحرس الثوري أو الميليشيات الطائفية رغم وصولها لأطراف الجولان المحتل وهي التي ترفع شعار الموت لإسرائيل، الأمر الذي يؤكد أن لا عدو لها على الساحة السورية سوى عناصر القوة.
ما تبقى في سوريا بضع صواريخ بالستية تلاحقها أينما حطّ رحالها، وبعض مراكز بحثية تحتوي ربما على ما تجهله أو تعرف أنه مهم، وهي تعمل على استهدافها "على رواق" معتمدة على صمت "الحيوان" في أبو رمانة الذي تسمح له فقط بالتصريح بأنه يحتفظ بحق الرد، وستدعه يحتفظ به حتى نهاية مهمته في سوريا.
وتشير التطورات الأخيرة إلى أن مهمة ذلك الحيوان شارفت على الانتهاء مع إكمال دوره في التدمير والقتل والتهجير، وانتهاء إسرائيل "تقريبا" من مسح مكامن الخطر عن الوجود، واتفاق جميع الفرقاء الدوليين والإقليميين على مناطق نفوذها في سوريا، ويتزامن ذلك مع مؤشرات أُظهرت للعالم بإعلان لجنة تقصي الحقائق الأممية أن بشار الأسد هو من استهدف "خان شيخون" بغاز السارين، الأمر الذي يحتّم تحركا دوليا عاجلا أم آجلا لمحاكمته أو تكليف مقربين منه إنهاء حياته، وربما ينتهي بمشهد يحاكي ما جرى للقذافي.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية