من أخلاق كرة القدم أن يركل اللاعب الكرة إلى خارج الملعب عندما يصاب زميله في الفريق الخصم حتى لو كان في حالة هجوم قد يسفر عن هدف، والكثير منا شاهد هذه الحالات وسمع الجمهور وهو يصفق طويلا لفاعلها، في إشارة واضحة إلى ان الحالات الإنسانية مقدمة على اي اعتبار آخر، وإن كانت الرياضة، افتراضا، تنفصل عن السياسة وهي لا تنفصل، فمن المؤكد أنها ليست بمعزل عن القيم الإنسانية.
مساء يوم الثلاثاء سيلعب المنتخب مع إيران، ولا أعلم ما هي اللاحقة التي سأضعها لكلمة منتخب، المنتخب الوطني، منتخب سوريا!! أم تراه المنتخب المتجانس الناتج عن بقايا المجتمع السوري الذي رأى فيه من يسمى جزافا بالعرف الدولي "رئيس" مجتمعا متجانسا، فلا ضير برأيه إن خسرت سوريا هيئة شبابها قتلا وتعذيبا، ولا ضير كذلك إن هجر الملايين ومن بينهم أهل وذوو وأقارب وأبناء مدن القوة الضاربة في المنتخب.. حمص ودير الزور.
عاد أشهر اللاعبين، "فراس الخطيب"، إلى المنتخب وجلس في قاعة المطار التي لا تبعد عن ساحة مجزرة الكيماوي سوى كيلو مترات قليلة، وهذا ما سنتجاوزه، افتراضا أيضا، فمقتل 1500 شخص بينهم أكثر من 400 طفل ربما يأتي في سياق الاختلاف السياسي، ثم إن لا علاقة يا اخي بين الرياضة والسياسة!!.
جلس الخطيب في قاعة "الشرف" وفوق راسه صورة بشار الأسد، وربما اختيار مكان جلوسه تحت الصورة من باب التكريم له!! وعاد الخطيب وكان شيئا لم يكن، ومثله عاد السومة.
من حق الخطيب والسادة يا أخي أن يبحثوا عن مستقبلهم الكروي وأن يطمحوا باللعب في المحفل الرياضي الأهم، كأس العالم، نعم من حقهم، ولكن وفق هذا من حق الضابط الذي مازال منتسبا لجيش النظام أن يطمح برفع رتبته حتى لو كانت على حساب قتل المزيد من المدنيين، ومن حق الصحفي المؤيد أن يبحث عن البقاء في البلد ويكفي نفسه عناء اللجوء وحرية الغربة، ومن حق رجل الأعمال أن يرعى مصالحه لدى النظام.. وفوق ذلك كله من حق أم الطفل الشهيد أن تسأل من قتل ابنها وبأي ذنب، ومن حق المغتصبة أن تسأل "السومة" و"الخطيب" وغيرهم من الذين أصبحوا ضمن ماكينة إعادة إنتاج النظام من باب الرياضة..ماذا لو كنت أخاك..قريبك..جارك؟!
ما سبق ليس حديثا لتعميق الأحقاد، بل هو توصيف بناء مازال قائما، فقبل أيام وفي صفقة تبادل تم إخراج 13 طفلا من معتقلات النظام، بأي ذنب اعتقل هؤلاء؟ لو حدث هذا في دولة لديها الحد الأدنى من الاحترام باستقالة حكومتها وربما استقال رئيسها... المعذرة نسيت أن السياسة لا علاقة لها بالرياضة.
دعونا نفرح يا أخي، وليكن هذا المنتخب حالة من الحالات التي تدفع باتحاه التئام الجراح، مقولة تتردد كثيرا.
ومن قال إن سورياً واحداً في مشارق الأرض ومغاربها لا يتمنى أن تكون المسألة بهذا المنحى، لكن يكفي أن نحيل صاحب هذا الرأي لخطاب الأسد الأخير، فهو لم يرَ فيك سوى إرهابي، وبقاؤك في منفاك أو مغتربك هو خير لمجتمع بات أكثر تجانسا بدونك.
سأفرح إن فاز المنتخب، مهما حاولت أن أخفي ذلك، فأنا سوري وإن كنت خارج تصنيف "التجانس"، وسأفرح لخسارة إيران حليفة "سوريا الأسد" المحتلة لبلد السوريين.
لكنني وبدون شك وأزعم أن الملايين مثلي لن يحترموا أيا من أفراد المنتخب..مثلما لن يحترم اللاعبون أنفسهم عندما يضعون رؤوسهم على مخدة النوم ويتذكرون زملاء لهم قتلوا تحت التعذيب، مثلما أجزم أنهم لن يستطيعوا النظر بوجه أمهات زملائهم إن شاءت الظروف وجمعتهم بهن... هذا إن كان في عيونهم ماء.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية