"البلشفي" قدري جميل.. فؤاد عبد العزيز*

جميع من عملوا في الحقل الاقتصادي من الصحفيين السوريين، يعرفون قدري جميل جيدا، ويعرفون كذلك أنه كان من الشخصيات غير المرحب بها في أي مكان يحل به، سواء في اللقاءات الحكومية، أو في الاجتماعات التي كانت تنظمها جهات خاصة وعلى رأسها غرفة تجارة وصناعة دمشق، إذ كان ينظر إليه داخل المجتمع الدمشقي على أنه كافر وملحد، وعند الحكومة كانوا يعتبرونه سفيها ويدارونه على هذا الأساس.
بزغ نجم قدري جميل، بعد العام 2007، في أعقاب الأزمة المالية التي عصفت بالأسواق العالمية، فقد أتاح له هذا الحدث، الفرصة لكي يرفع صوته زيادة عن اللزوم، وسط توجهات حكومية كانت تدعو في تلك الفترة، إلى فتح الأسواق والسماح لرأسمال الخاص أن يقود عملية التنمية الاقتصادية.
كان قدري، اتجاها معاكسا لكل الأفكار والطروحات الاقتصادية في البلد، بما فيها تلك التي تتوافق مع الأفكار الشيوعية التي ينتمي إليها.. لدرجة أن أحد التجار قال له ذات مرة وعلى الملأ: لا أدري ما الذي يعجبك يا قدري..؟!
كان هذا النوع من الكلام يرضي غروره، ويعتقد أنه إطراء مهما من قبل النخبة الاقتصادية في البلد.
عندما بدأت الثورة، حاول قدري أن يستفيد من الحدث، كما استفاد من الأزمة المالية العالمية .. فظهر على الإعلام دون أن يعلن موقفا واضحا، فلا هو مع النظام ولا هو مع المعارضة، ليتبين لاحقا أنه مع روسيا.
لم يتعامل أحد مع قدري على أنه شخص مؤثر في الحدث السوري، سواء لجهة المعارضة أم لجهة النظام، بل كان الجميع مطمئنا إلى أنه مرفوض جملة وتفصيلا، أقلها داخل المجتمع السوري، بالإضافة إلى أنه لا يمتلك ولو الحد الأدنى من الكاريزما، التي تتطلبها الواجهة السياسية في مثل هذه الحالات.
وحتى عندما وضعه النظام نائبا اقتصاديا في أعقاب الثورة، كان منصبا فخريا بلا صلاحيات، وهو ما أزعج قدري جميل الذي أدرك أن الوقت قد حان لكي يحتمي بالقوة العظمى التي يمثلها في سوريا، وبعد أن وصلته أنباء بأن قرار تصفيته من النظام، لا يحتاج إلى الكثير من الخطط والمخاوف.
الغريب أن النظام تعامل مع قدري جميل مثل أي موظف صغير في حكومته، وذلك عندما فصله من منصبه كنائب اقتصادي بحجة التغيب عن العمل لأكثر من 15 يوما، ولم يحاول أن يلصق به أي تهمة سياسية، كالخيانة مثلا، وكما فعل مع رياض حجاب رئيس الوزراء.
أما روسيا التي احتمى فيها، فقد شعرت من جهتها، أن قدري ليس أكثر من ورقة طيعة في يدها، قد تحتاج إليها وقت الضرورة ، لكنها بنفس الوقت لم تنظر إليه على أنه يمكن أن يكون له شأن في مستقبل سوريا، والسبب أن المجتمع السوري لا يمكن له أن يتقبل أصحاب الرؤى والأفكار الشيوعية التي يتبناها قدري. وسوى ذلك، هو أصغر بكثير من أن تسند إليه مهام كبيرة.
مؤخرا حانت الفرصة لاستخدام قدري جميل من قبل روسيا، عندما حاولت فرض منصة موسكو ضمن التوسعة الجديدة للهيئة العليا للمفاوضات، إلا أنه سرعان ما انهارت المباحثات بينهما، بسبب بعد المسافة بالأفكار بينه وبين الثورة السورية.
الجديد في الموضوع، أن قدري استغل فشل المباحثات بينه وبين الهيئة العليا للمفاوضات، ووجد فيها فرصة جديدة ليحقق حضورا متقدما على خصومه.. فأخذ يعقد اللقاءات والمؤتمرات الصحفية بكثافة، متهجما فيها على المعارضة ومدافعا عن رؤيته للحل في سوريا .. لكن من سوء حظه أن وسائل الإعلام لم تهتم به ولا برؤاه ولا بأفكاره ولا بمواقفه .. بما فيها وسائل إعلام النظام، التي كان أقرب لها من المعارضة.
أما الأهم في الموضوع، أن قدري جميل بات اليوم أكثر اطمئنانا بأن القوة العظمى التي تقف خلفه، والتي هي روسيا، سوف تتمسك به وتزيد من فرص استخدامه، لأنه ورقتها الوحيدة في ضرب المعارضة السورية.. ويحدوه الأمل كذلك، أن تعيد استخدامه روسيا في المرحلة الانتقالية التي يجري الحديث عنها في سوريا، ولو بمنصب صغير .. فهو للأمانة يدرك في قرارة نفسه بأنه ليس أكثر من عميل صغير، ولا يحتاج بالتالي للمناصب الكبيرة.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية