ترى الأمم المتحدة أن نهاية تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا ستكون في شهر تشرين أول/ أكتوبر القادم، وهذا يعني أن العالم أمام إشارة صراع جديد في سوريا عبر عنه باختصار وزير الخارجية الفرنسي في تصريحه الغريب أخيراً:"تنظيم الدولة سيُهزم في سوريا... سنكون عندها أمام نزاع واحد هو الحرب الأهلية".
أما وجه الغرابة في التصريح الفرنسي الأخير فهو الانقلاب على انقلاب وجهة النظر الفرنسية في سوريا التي أعلنها الرئيس الفرنسي الجديد ايمانويل ماكرون في أنه لا يرى خليفاً شرعياً لبشار الأسد في سوريا.
بين رأي الأمم المتحدة والموقف الفرنسي الجديد تبدو توجهات الصراع السوري المحلي والدولي في توافقهما على إدامة شلال الدم في سوريا، وعلى استمرار القتل بما يخدم مصالح المتقاتلين، والبحث عن عدو جديد أو بالأحرى أطراف جديدة تطيل عمر الصراع إلى ما لا نهاية.
ما بعد التنظيم ليس السلام مع التسليم ببقاء الأسد وفق المتغيرات الدولية والعربية، والعرب أولاً لديهم اليوم ما يشغلهم عن الموت السوري في ظل تحديات وجودية في أولها الصراع الخليجي الخليجي، والهمس الذي وصل إلى العلن لدى أغلب الأنظمة العربية في علاقتها مع نظام الأسد آخرها التصريحات الأردنية حول العلاقات الطبيعية مع سوريا، والتي جاءت على لسان وزير الإعلام الأردني محمد المومني الذي قال: "العلاقات بيننا وبين الدولة السورية والنظام السوري تتجه باتجاه إيجابي".
أكثر من ذلك ما أكده المومني وهو جوهر العلاقات بين الأنظمة العربية: "الكثير من القيادات السياسية والامنية والعسكرية في سوريا تدرك المصلحة المشتركة بين البلدين بأن تتطور العلاقات باتجاه ايجابي، ويدركون ما هي خطوطنا الحمراء الاستراتيجية، ونحن نعلم تمامًا ان لديهم مصلحة لمراعاة ذلك"..هي العقلية الأمنية والعسكرية والديكتاتورية التي تتقاسمها تلك الأنظمة التي لا تراعي دماء السوريين وأوجاعهم.
أما دولياً فالصراع السوري هو استكمال للحرب الباردة التي باتت معلنة بين الأمريكان والروس، وبنفس الوقت هو تقاسم للنفوذ بين المتصارعين الداعمين للأطراف السورية المتنازعة سواء الإيرانيين في دعمهم للنظام أو من يدعم المعارضة من أطراف دولية، ومن يمولونها.
بالعودة إلى الموقف الفرنسي الذي يرى أن السلام بعد تنظيم "الدولة" لا يبنى مع الأسد، وأن تشكيل مجموعة الاتصال التي يعمل الفرنسيون على إنشائها لاستكمال شروط هذا السلام إنما يأتي في تدوير جديد للعبة في سوريا، وتبدأ من وضع دستور جديد للبلاد وانتخابات جديدة تقصي الأسد ولا تبقيه في رأس السلطة، لكنها في نفس الوقت تمنحه الوقت الكافي لاستنفاذ فرصته في ذبح السوريين وتدمير ما بقي من البلاد فقط لأن الأسد قتل (قسماً) من شعبه حسب التصريح الفرنسي.
ما بعد التنظيم من إحياء للعملية السياسية بوجود ايران، ووفق شروط الأسد (المنتصر) يعني بالضرورة الإبقاء عليه حتى إنهاء التفاهمات الدولية، والتوصل لحلول على حساب السوريين وملفاتهم العالقة وفي أولها الملف الإنساني الذي يجري تداوله اليوم من قرارات جديدة حول المهجرين واللاجئين السوريين في بلدان الجوار والعالم وإعادتهم قسراً إلى حضن الأسد.
ما بعد تنظيم "الدولة" هو نظام الأسد بوجهه المحسّن القادر على إكمال دوره في خدمة المتصارعين الدوليين وذبح الشعب السوري.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية