كلما سمعت أن وفد المعارضة السورية في الرياض يتعرض لضغوط شديدة للقبول بالتسوية الجديدة للأزمة السورية، تذهب مخيلتي دون إرادتي لتصور طبيعة هذه الضغوط.
فمثلا أتخيل رياض حجاب محشورا في زاوية الغرفة، بينما يقف أمامه وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، وهو يمسك بيده مدية ويقول له: يجب أن تقبل، فيرد عليه حجاب: لا .. لن أقبل .. فيقترب بالسكين من رقبته: أقسم بالله لأذبحك إذا لم تقبل.. فيجيب حجاب: اذبحني .. ذلك أهون علي من خيانة دم شعبي...
وفي صورة أخرى أتخيل جورج صبرا وقد وقف أمامه أحد رجالات الديوان الملكي، ويذكره بالعطايا والهدايا، فيحتار صبرا ماذا يرد عليه، وفجأة يهتدي إلى إجابة:"شوف حجاب إذا وافق مو مشكلة"..
بصراحة، حتى الآن لا أستطيع أن تصور ماذا يعني ضغوط شديدة على المعارضة للقبول ببشار الأسد، باستثناء الصورة الهزلية التي رسمتها أو تخيلتها، هل يعني أنهم إذا لم يقبلوا سوف يقتلونهم ذبحا بالسكاكين؟! أم أنهم يستخدمون معهم طريقة الاستحياء..؟ ما هذا الهراء يا جماعة..!! إذا كنتم بالفعل ترفضون التسوية الجديدة، فالأمر ليس بحاجة لضغوط، لا شديدة ولا خفيفة، ما عليكم إلا أن تخرجوا من الرياض وتخبروا الناس ما الذي يحصل معكم على الملأ، ثم ترفعون استقالاتكم في وجه هذا العالم الفاجر وتغادرون إلى منافيكم الجديدة، وصدقوني لن ينقص بعدها من أعماركم شيئا، وأنا أضمن لكم حياة كريمة في أي دولة تختارونها للعيش، لكن إياكم أن تفرطوا بأهداف ومبادئ الثورة وأن تبيعوا دماء الشهداء تحت بند الضغوط الشديدة.
ومن جهة ثانية، إذا كنتم تريدون إيهامنا، بأنكم تبحثون عن ضمانات للتسوية الجديدة، عبر رفضكم لها وللضغوط، فإننا نخبركم، بأن السعودية لا تملك أي ضمانات على الإطلاق، وإذا حدث وأوهمتكم بذلك، فهي تكذب عليكم، لأنها هي التي تتعرض لضغوط .. ولهذا هي تضغط عليكم.
باختصار، لقد صدر القرار من الباب العالي في واشنطن، أن يتم تصفية الثورة السورية، بأي طريقة وبأي ثمن .. هم يفعلون مع السوريين، كما فعلوا مع العراقيين، بعد حرب الخليج الأولى، عندما قاموا بتثوير الشعب العراقي على صدام حسين، ثم تركوه يواجه مصيره لوحده، بينما انتقم صدام من فشله في تلك الحرب عبر قمع ثورة الشعب العراقي وبمنتهى القسوة.. وقتل حينها أكثر المقربين إليه، وهم أزواج بناته، وهذا ما سيحصل معكم، سوف يقمعكم بشار الأسد ونظامه بـ "البساطير" إذا عدتم إليه بتسوية تبقيه رئيسا وبكامل صلاحياته..عندها لن تنفعكم أمريكا ولا السعودية، وسيقولون لكم: ذلك شأن داخلي لا ناقة لنا فيه ولا عنزة..! ولا تستغربوا أن يقدمكم بعدها بشار للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمى والعمالة.
ما الحل إذا..؟ الحل لازال موجودا في الداخل ..راهنوا على شعبكم الذي ثار والذي دفع الثمن الأكبر .. فهذا الشعب لازال يملك الطاقة للثورة، وهو أكثر ما يخشاه بشار والعالم.. هم ينتظرون منكم أن تبيعوا شرعية الثورة، من أجل أن يتفرغوا لقمع هذا الشعب وبمساعدتكم، أما إذا قررتم الوقوف خلف الشعب، فلن يزيدكم ذلك إلا رفعة وعزة ...
صدقوني أن الثورة لم تنتهِ.. حتى لو صرح ميشيل كيلو وبرهان غليون بذلك.. الثورة ليست فقط مظاهرات وهتافات في الشارع، والثورة ليست أحمد الجربا وقدري جميل وجمال سليمان ووليد العمري ومحمد عناد سليمان، بل هؤلاء ربما كانوا أسوأ ما في هذه الثورة.. الثورة هي تمرد داخلي، وصراع بين الخير والشر، والصح والخطأ، وهو ما تربت عليه الأجيال خلال السنوات السبع الماضية.. الثورة هي أولئك الذين تحملوا قهر المخيمات وذلها في سبيل تامين مستقبل أفضل لأبنائهم ... الثورة هي أن لا يقول لك أحد بعد اليوم: قرد ولاه .. الثورة هي نحن الذين ضحينا بكل شيء لأجلها وعن طيب خاطر.
وعلى المستوى الشخصي، وحتى لا يتبجح المتبجحون، جميع المقربين مني يعرفون أنني خسرت كل شيء في حياتي خلال الثورة، ولم يزدني ذلك إلا إصرارا على الاستمرار بها، بدليل أنني لازلت أدافع عنها بقلمي، وهو كل ما أملكه اليوم. ولا أستطيع أن أصف سعادتي وأنا أكتب بمنتهى الحرية ودون قيود، والفضل كله لهذه الثورة.
أرجوكم، لا تتاجروا فينا ولا بعذاباتنا.. فنحن صحيح أننا تعبنا واستنزفت الكثير من طاقاتنا وأرواحنا، لكننا لم نيأس ولن نيأس .. لنعد إلى نقطة البداية، ويلعن روحك يا حافظ .. والشعب يريد إسقاط النظام.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية