ليس غريبا أو مفاجئا أن يكوّع عدد من رجال المعارضة السورية، ويعودوا إلى "حضن الوطن" بمعناه الأقبح، وهم الذين نشأوا وترعرعوا في كنفه، فالطريقة التي نشأت فيها دكاكين المعارضة الرسمية تم تجهيزها على عجل، وبمن حضر، دون التدقيق بالانتماءات الحقيقية لأفرادها.
لم تكن القضية السورية في طليعة اهتمامات المجلس الوطني ومن بعده الائتلاف، بل تصدرت قائمة أولوياتها مصالح الدول التي شكّلت ورعت ودعمت التشكيلين.
ولم تحظَ الثورة السورية وتضحيات السوريين بالمرتبة الثانية أيضا من اهتمامات الجسمين، بل سبقها إليها التنافس على الزعامة واقتناص أكثر ما يمكن من المبالغ المالية التي وصلتهما من أشقائنا الخليجيين وبعض أصدقاء الشعب السوري.
ضم الكيانان عجائز عاطلين عن العمل أو متقاعدين منه، أمضوا أغلب سنين حياتهم في بلدان الاغتراب، ابتعدوا فيها عن هموم السوريين وآلامهم وطموحاتهم، ولم يمتلكوا الأهلية الثورية والسياسية التي تخولهم قيادة هذا الشعب الباسل إلى الانتصار.
بعد كل العفن الذي علا الائتلاف، جاءت توسعتاه الأولى والثانية كارثة إضافية إلى جملة كوارثه بما حملتاه من أفراد تحت مسمى الديموقراطية والكوتا النسائية، وليس لغالبية الجدد أي خبرة سياسية أو قبول شعبي، وكثير منهم ومنهن لا يعرفون ألف باء العمل الوطني، وجاء إدخالهم إلى الائتلاف من أجل خلق توازنات جديدة بفرض من الدول الداعمة له ماديا أو لوجستيا.
ورغم أن الدخول بمتاهة الأسماء يقزّم المشكلة ويحوّلها إلى شخصية، ولكن لا بد من الإشارة إلى أن ما اشترط ميشيل كيلو إدخاله كان الأعلى شبهة بالعمالة والانتماء إلى "حضن الوطن".
ولم تكن التوسعة النسائية أفضل على الأقل من حيث الأداء، حيث لم تقدم ما يمكن أن يشكل حالة إيجابية سوى تسجيل ذلك من قبل المجتمع الدولي، وهو أصلا لا يهتم لكل هذا الجسم الذي طالما وصفه بغير القادر على إدارة البلد عوضا عن بشار الأسد.
مقدمات كثيرة سبقت عودة الائتلافي الديموقراطي "بسام الملك" إلى حضن النظام، فقد عاد كثيرون أكبر وأصغر منه، وربما لم يغادروا أصلا إلا فيزيائيا، ولن يتفاجأ سوري بعودة آخرين، وهناك إشارات من عدد من الائتلافيين على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي تدل على أنهم سيقبّلون البوط العسكري قريبا، بناء على ما اشترطه رفيقهم البعثي "مهدي دخل الله" على العائدين.
إن في منصات موسكو والقاهرة ممن هم بشاريّون أكثر من بشار ذاته، ألم يشترط قدري جميل "أحد مخلفات الشيوعية" الموصوف زورا بالمعارض عدم الحديث في مستقبل بشار لدخول هيئة المفاوضات، ألم يطلب الممثل "الوسيم" جمال سليمان "أسطة" منصة القاهرة تأجيل البحث بدور بشار في المرحلة الانتقالية.
ألم يسبق الاثنين الشيخ "الجربا" بإشارات لا تحمل اللبس بإمكانية قبوله بدور "أي دور" في "حضن النظام"، وقد عزف نشيد حماة الديار ورفع العلم الذي تبرأت منه الثورة في حفل إطلاق خيمته "تيار الغد" المدعومة بقوة من دول إقليمية فاعلة.
ولا تعني التسميات أن من لم يذكر اسمه لا يفكر بثمرتي تين من السلة التي يملكها بشار الأسد ولا سيما من المتأسلمين، وقد نرى في الأيام القادمة غير البعيدة ملتحين وغيرهم يلتقطون صورا لهم في مطار دمشق تحت صورة رمزهم ومشغّلهم بشار الأسد.
لقد ابتلى السوريون بمعارضين دعموا النظام بغبائهم حينا وولائهم أحيانا أكثر من جنده وحاضنته، ولم يمتلكوا القدرة على الإطاحة بهم أو تشكيل جسم بديل يمثل الضحايا والمعتقلين والمشردين، ويكون الطليعة التي يقف وراءها حتى رفع علم الثورة على قاسيون.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية