بات توثيق سجل الفظائع في سوريا مهددا في واحد من أركانه، مع تطوير موقع الفيديو الأشهر "يوتيوب" سياسة الإبلاغ عن المقاطع التي تضم "محتوى مخالفا" وحذفها بشكل تلقائي، وهو ما يهدد بإزالة آلاف المقاطع التي توثق تفاصيل بشعة للغاية لم تلاحقها عدسات الإعلام التقليدي، إما عجزا أو تراخيا.
وفي تقرير نشرته "نيويورك تايمز"، وتولت "زمان الوصل" ترجمة أهم محاوره، حذرت الصحيفة الأمريكية من مغبة الخطوات التي يسير عليها "يوتيوب" وخطورتها في طمس معالم الجرائم التي ارتكبت وما تزال في سوريا.
ونقلت الصحيفة عن مراقبين ومهتمين بالشأن الإعلامي والحقوقي قولهم إن محاولة تطهير محتوى "يوتيوب" من الدعاية المتطرفة والأمور المخالفة، أدت إلى إزالة آلاف المقاطع التي يمكن استخدامها لتوثيق الفظائع في سوريا، وهو ما يهدد أي محاكمات مستقبلية يمكن عقدها لملاحقة مجرمي الحرب.
" كريس وودز" مدير "إيروارز"، المنظمة المهتمة بتعقب الضربات الجوية وأثرها على المدنيين، نبه إلى أن الحرب في سوريا وضعت وسائل الإعلام المستقلة على المحك، وإزاء ذلك اختار كثير من السوريين اللجوء إلى "يوتيوب" لنشر أخبار وصور الحرب، معقبا: "ما يختفي أمام أعيننا هو تاريخ هذه الحرب الرهيبة".
وخلال الأسابيع الأخيرة فقط، عمد "يوتيوب" إلى حذف عدد غير محدد من المقاطع بل وحتى بعض القنوات، بالتزامن مع تفعيل تقنية جديدة للإبلاغ عن المحتوى وإزالته تلقائيا.
وفي السابق كان "يوتيوب" يعتمد على مستخدميه وشبكة من المراقبين الموثوقين؛ للإبلاغ عن أي مواد غير مناسبة، ليتم التعامل معها وفق خوارزميات معينة ترتبها، قبل أن تخضع لمراجعة بشرية.
أما التقنية الجديدة "التعلم الآلي" فهي كفيلة بتحديد المقاطع المخالفة وترتيب أولوياتها قبل مراجعتها.
" كيث هيات"، نائب رئيس "بينيتك"، المعنية بتوفير تقنيات تعين على التحقيق في قضايا حقوق الإنسان، حذرت من النتائج السلبية لطريقة "يوتيوب" الجديدة، معقبة: "هناك على الأرجح حوالي 200 منظمة من منظمات المجتمع المدني تعمل في سوريا وحدها.. بعض أفرادها خاطروا بحياتهم، وآخرون فقدوها فعلا في سبيل توثيق الفظائع وانتهاكات حقوق الإنسان".
ورأت "هيات" أن حذف المقاطع التي توثق الفظائع في سوريا، من شأنه أن يفقد "يوتيوب" واحدا من "أغنى مصادر المعلومات حول الانتهاكات التي تتم في بلدان ومجتمعات مغلقة".
وقد سبق للأمم المتحدة أن شكلت لجنة "الآلية المحايدة والمستقلة"، وهي فريق عمل مهمته جمع أدلة الجرائم والانتهاكات وحفظها، لاستخدامها لاحقا في المحاكم الخاصة بأي ملف.
واعتبرت "هيات" أن عمل اللجنة الأممية يعتمد في أحد جوانبه على وسائل الإعلام الاجتماعية والمعلومات المتوفرة في المصادر المفتوحة، وقد عقّدت تقنية "يوتيوب" الجديدة هذا الأمر، عندما أخفت أي أثر لمقاطع يمكن تتبعها والانطلاق منها.
وعل سبيل المثال فقد أزال "يوتيوب" آلاف المقاطع التي يمكن الاستعانة بها لتوثيق الحرب في سوريا، عندما استهدف نحو 6 قنوات "يوتيوبية" تمثل نافذة مرئية لوسائل إعلام معارضة لنظام بشار الأسد.
ولم تنج من هذا الحذف حتى منظمة "إيروارز"، التي تلقت رسائل تفيد بأن الإزالة ناجمة عن مخالفة المقاطع لشروط المحتوى، وقد علقت المنظمة على الأمر محذرة "يوتيوب" من المضي في إجراءاتها هذه، وإلا فإن المنظمة التي تعد أحد أدوات توثيق الانتهاكات ستفقد قناتها كليا.
وتنص سياسة "يوتيوب" على إمكانية إزالة أي "قناة" ترتكب 3 "انتهاكات" خلال 3 أشهر، ويبدو أن السرعة التي يتعامل بها النظام الجديد مع تحليل وإصدار التحذيرات بشأن المقاطع المنشورة، تهدد بإغلاق بعض "القنوات" سريعا، وحتى دون إشعار مسبق.
ويبدو أن نظام "يوتيوب" الجديد يعاني خللا واضحا في تمييز المحتوى "المخالف"، فمن أصل المقاطع التي حذفت من قناة "إيروارز" مثلا، كان هناك 3 أشرطة تتضمن لقطات من غارات جوية نشرتها وزارة الدفاع الأمريكية نفسها.
الصحافي الاستقصائي "إليوت هيغينز"، مؤسس موقع "بيلينغكات"، انضم أيضا إلى قائمة ضحايا التقنية الجديدة لـ"يوتيوب" مؤكدا أنه تلقى تحذيرا حول مقطع حمّله عام 2013، وإشعارا آخر حول مقطع يخص حادثة قتل تنظيم "الدولة" للصحافي "جيمس فولي"، وهو ما يعني نظريا أن " هيغينز" قد يخسر قناته بمجرد تلقيه تحذيرا ثالثا.
ويعد "يوتيوب" موقع المرئيات الأضخم على الشبكة، حيث تقدر الإحصاءات أن هناك قرابة 400 ساعة من المقاطع يتم تحميلها على الموقع كل دقيقة، أي 24000 ساعة فيديو تحميل في الساعة الزمنية الواحدة.
زمان الوصل - ترجمة
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية