أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

فدوى سليمان المتجانسة.. حسين الزعبي*

فدوى سليمان

فارق أخلاقي شاسع وهوة عميقة مازالت تفصل بين أولئك الذين يحملون روح الثورة السورية في وجدانهم، وبين أولئك الذين يمثلون النظام بكافة مستوياتهم بدءا من صغار الكتبة المأجورين، وأجرهم لا يتجاوز رضا النظام عليهم، وصولا إلى رأس النظام.

التباين الأخلاقي بين الجانبين، لم تتضح معالمه الآن، بل رسمته الشهور الأولى للثورة، هذا إن لم نقل الأيام الأولى، إلا أن ما أعاد هذا الفرز إلى الذهن مرة أخرى هو بعض أحداث وطروحات تؤكد قبل كل شيء أن مفهوم الثورة هو مفهوم يستند في طروحاته إلى حالة أخلاقية تصل حد الأفلاطونية في بعض سلوكياتها، قبل أن يكون وسيلة لتحقيق أهداف سياسية.

من هذه الأحداث التي أعادت التفكير بالتصنيف الأخلاقي وفاة الفنانة السورية "فدوى سليمان" وموجة الحزن العارمة التي اجتاحت أهل الثورة، حزن لم يكن دافعه الكلي، أن فدوى سليمان هي ابنة صافيتا، التي تصنف وفق التعبير الدارج منطقة "موالية"، وليس لأنها ابنة طائفة تمكن النظام من اختطافها ترهيبا وترغيبا، فالثورة لم تخرج ضد طائفة لصالح طائفة، وإن كانت الأكثرية من طيف معين فلأن الطبيعة العددية للسكان فرضت ذلك، مثلما جعلت أكثرية الصامتين "الرماديين" من الطيف نفسه، بل ما أعتقده أن الدافع هو الحالة الإنسانية الثورية التي مثلتها الراحلة "فدوى" وارتباطها بالحالة الطهرانية الأكثر بياضا في تاريخ الثورة.

وسواء أكان السبب هذا أم ذاك، فالنتيجة واحدة هي أن لأهل الثورة مفاهيم أخلاقية لا تحدها طائفة ولا قومية. مفاهيم، وإن حاول العالم كله إجهاضها، فهي وجدانياً على الاقل، مازالت تسعى لإنجاز دولة العدالة والمواطنة والحرية، دولة قوة القانون، دولة لكل أهلها، وليس للمتجانسين فقط بحسب الفهم "الأسدي" للتجانس.

حالة أخرى تستحق أن نشير إليها في هذا المضمار، وهي ما طرحه السيناريست "سامر رضوان" حول ضرورة عدم التمترس خلف الشعارات والتواريخ وإصباغ القدسية عليها، وهنا أقتبس مما طرحه: "فما يزال الكثيرون متمترسين عند حدود الخامس عشر من آذار عام 2011، وما أفرزه ذاك اليوم من اتفاق على أهمية جوهره واستحقاق ضرورته،..، لكن اتفاقنا على هذا التاريخ آنذاك، لا يعني أننا سنبقى كذلك بعد مرور سبع سنوات على ما أتى بعده، هذا تباين تفرضه طبيعة العقل البشري وتصونه فضيلة الاختلاف، فوجود منبع فكري وأخلاقي واحد، لا يعني استخلاصات فردية واحدة على أقل شرح وإيجاز، إلا أن الملاحظ هو الرغبة في وقوف ثابت عند تاريخ الخامس عشر من آذار، وتحويل أدبياته ه وشعاراته إلى دستور لا يقبل المراجعة، أي بتحويل اللحظة التاريخية إلى نص مقدس لا يحتمل مجرد التباين في فهمه، بتشابه أصولي مع المتطرفين الإسلاميين، الذين قطعوا علاقتهم مع الحلول الوسط،...، بالتالي فقد صرنا أمام ثنائيات ثورية متصلة بأحكام القيمة: من لم يقل الثورة مستمرة فهو خائن، ومن رأى ضرورة الانسحاب خطوة إلى الوراء، من أجل إعادة تركيب المشهد فهو مرتبط مع النظام، وأدى مهمة وظيفية انتهت ضرورتها". 

ما طرحه "سامر رضوان" الذي أراد أن يعود لدمشق، وعاد ثم غادرها، لا يمكن النظر إليه إلا من الزاوية الإيجابية وربما الحالمة أيضا، فالأصل بالأشياء أن دمشق لكل السوريين، هذا الطرح الذي قدمه سامر ويحتاج للمزيد من البحث، قابله النظام عبر كائنه "الهلامي المنتفع" مهدي دخل الله باعتبار من يفكر بطرح المخرج "سامر رضوان"، تائب وعليه أن يقبّل البسطار العسكري.

خلاصة القول إن حقيقة المشكلة تكمن في حالتها الأخلاقية وليست في مماحكاتها السياسية.

*من كتاب "زمان الوصل"
(182)    هل أعجبتك المقالة (174)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي