أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

هل ترغب المعارضة بالإفراج عن هرموش؟*

هرموش - أرشيف

لو فرضنا أنه حيّ، وعساه كذلك، فإن المقدم حسين هرموش ذلك الثائر المغوار الذي قصّ شريط الانشقاق عن جيش الأسد، وذلك الذي أسس حركة الضباط الأحرار، وقاد أولى المعارك العسكرية ضد النظام، لن يكون بهذه الصفات، فمن المؤكد أن النظام لن يدعه سويّا صحيا ونفسيا، وقد برز ذلك واضحا في لقاء اعترافاته التلفزيونية التي بثّها النظام بعد قليل من اعتقاله.

ولو خرج غدا إلى النور لن يكون قادرا على إخراج الزير من البير وقيادة ما تبقى من الثوار (هذا إن ارتضوا ذلك) إلى تحقيق النصر على النظام، وهو إن ترك له التعذيب والقهر وربما العقاقير الطبية بقايا من عقل قد يتمنى العودة إلى سجنه عند مشاهدة الحال الذي وصلت إليه الثورة والفصائل العسكرية التي تدّعيها.

هرموش اليوم بات رمزا للأحرار من السوريين، لا يستطيع تجسيده في الحقيقة، لأن محيطه العسكري الذي يحب ويتقن سيرفضه، حيث حبّ التزعم والإمارة غلب على الحسّ الثوري الوطني عند غالبية القادة، وسيقف هؤلاء في وجه من يحاول إيقاظ الضمير وإعادة الروح الثورية الخالصة للعمل العسكري.

لو خرج اليوم لن يجد أرضا لمعركته التي بدأها قبل ست سنوات واعتقل من أجلها، وقد صمت سلاح الجبهات بالهدن واتفاقات تخفيض التوتر، ومن غير المتوقع أن يخوض إلى جانب القاعدة أو تنظيم الدولة أي معركة وهو الذي لم تبدُ عليه حتى في اعترافاته التلفزيونية المعدّة بإتقان ميول إلى هذا الجانب.

مبادرة "أسود الشرقية" إلى عرض مبادلة الطيار الذي أسرته قبل أيام بالمقدم هرموش جديرة بالاهتمام، وهي نالته من قبل النظام الذي سرّب بشكل غير رسمي خبر موافقته على العرض لثقته "إن فعل ذلك" أنه لم يترك من هرموش الأيقونة ما يمكن أن يسبب له أذية، وهو يدرك أن الظروف تغيرت ولم تعد مهيأة لأي مفاجأة عسكرية، ليس هذا وحسب بل إنه يدرك أن محبة الناس لهرموش لا يقابلها محبة مشابهة من المعارضة السياسية.

تشكيلات المعارضة السورية الرسمية منضبطة تماما بتوجيه الدول الداعمة التي شكلتها، وهذه الدول اعتمدت غالبا على شخصيات لا تحظى بالقبول الشعبي حتى في محيطها الضيق بسبب الخوف من الاعتماد على قوة الناس في دعم مواقفها وربما دفعها للتمرد، وهذه القيادات ارتضت الدور، وتعمل على النسق ذاته في إبعاد الشخصيات الفاعلة لتبقى في الواجهة، وتخشى أن يمثل هرموش حالة شعبية تستقطب من تظنه جمهورها وتنسفها من الجذور، فتتوقف الدولارات عن التدفق إلى جيوبها وتنساها شاشات الإعلام، وتعود إلى التقاعد الذي أتت منه في بلاد الاغتراب.

ولعل ذلك ما دفعها لعدم المبادرة للمطالبة بالإفراج عنه رغم أن فصائل تتبع لها أو لجماعات منها، بادلت أعدادا من الأسرى المهمين للنظام وبقي هرموش خارج الاهتمام. 

لقد سبق للمعارضة أن ساعدت على تهميش العقيد "رياض الأسعد" مؤسس الجيش الحر والذي يحظى بشعبية واسعة في صفوف الضباط والعسكريين المنشقين وكذلك المدنيين، وأبعدته عن صدارة العمل العسكري من خلال الموافقة على تشكيل المجالس العسكرية ذات الميول إسلامية انحرف إليها الدعم والسلاح، وعجز الأسعد عن الاستمرار بعمله "الناجح".

ويغمز البعض بقناة شخصيات وتشكيلات سياسية بمحاربة الوجوه العسكرية والسياسية الناجحة، وأكثر من ذلك التلميح والتصريح أحيانا عن دور لها في غياب بعض القادة العسكريين الذين أجمع السوريون على إخلاصهم لثورتهم.

ويذهب هذا البعض للإشارة إلى أنه ليست مصادفة أن يُقتل أبو فرات بطلقة في الرأس، حسب روايات مقربين منه، وأن يموت حجي مارع بعد أن تحسن وضعه الصحي، وكذلك أن يقتل باسل سلو برصاصة أتته من الخلف "أيضا حسب أحد أقربائه" وهو ما أدار ظهره يوما في مواجهته للنظام، وغيرهم كثر، يتحدث أهل كل منطقة عن حوادث مشابهة أودت بقادات مهمين فيها، وهذا ما دفع كثيرا من الضباط للهروب إلى تركيا خوفا من مصير مشابه.

إن صحّ خبر موافقة النظام على الإفراج عن هرموش ستبقى بروج شيوخ المعارضة مشيدة ولن تهتز، وخير هرموش يكمن بالراحة في منزل يبنيه في قريته التي دمرها النظام أو السعي للجوء إلى بلد أوروبي يحترم إنسانيته.

*عبد السلام حاج بكري - من كتاب "زمان الوصل"
(131)    هل أعجبتك المقالة (110)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي