فدوى سليمان.. منْ يهزم الأغنية؟*

ليس صباحاً سورياً عادياً، وليس يوماً للتفاؤل أبداً، وربما مؤشرات يأسٍ مفضوحة تلك التي صدرت عن السوريين في المنفى والداخل من صدمة موت أغنية سورية كانت أعلى من دعوات الطائفية والإسلاموفوبيا التي أطلقها النظام في بداية ثورة السوريين على طغيانه.
من قتل فدوى سليمان هذا الصباح...نعوات السوريين حولت مواقع التواصل إلى جنازة رومنسية عن ابنة البلد التي خرجت من بيتها ولم تعد إلا لقبرها هناك..حيث باريس تحتضن مهجري الهتافات الأولى وسواهم ممن هربوا من موت حتمي إلى موتي إنساني بعيداً عن الوطن والأمنيات.
اليوم نعى السوريون وفاة الممثلة فدوى سليمان بعد صراع مع السرطان، وفيما يشبه خسارة مواقع عسكرية للثورة، وسقوط مدينة أو قلعة كانت النعوات والتعازي، فهذا الموت اعتباري بكل ما تعني الكلمة من معنى..ليس موت جسد بشري فقط..إنه هزيمة الأغنية بالمنفى قهراً وشوقاً.
كانت من أوائل الخارجين على سلطة جائرة غاشمة، وبالرغم من عبث نظام الأسد بقلوب السوريين وتخويفهم من هتافات (الله أكبر) من المساجد، ومن أغلبية (سنيّة) إلا أنها العلوية ابنة الساحل هرعت إلى شوارع دمشق وبرزة ودوما، وعاشت مع الدمشقيات في بيوتات العزاء دموع وداع الشهداء.
هربت من دمشق، وعاشت في حمص أجمل أيام الثورة في عاصمتها، وشكلت مع عبد الباسط الساروت ثنائياً ألهم السوريين وأشعل ثورتهم في أماكن بعيدة كانت صامتة، وحوصرت مع ثوار المدينة القديمة، إلا أن البطش كان أكبر من أن تواجهه أغنية فقررت الخروج من سورية حيث المنفى الأول ..الأردن.
ضاق المنفى على فدوى فقررت المغادرة إلى حيث المجهول الذي لن تعود منه كما أرادت إلى وطنها وحبها...في باريس لم تتوقف فدوى عن المسرح والغناء بل والشعر أيضاً، فأصدرت ديوان شعر ونصاً مسرحياً إلى أن داهمها السرطان.
فدوى المسجاة الآن في باريس بانتظار أن يزفها أحبابها القلائل هناك..الأغنية السورية التي خوّنها أقرب الناس إليها..الأغنية التي أرادت أن تكون لكل سوري حر...تموت اليوم في باريس.
المتفائلون اليوم من السوريين يرون في موتها شعلة جديدة تنضم إلى مسيرة نضالهم، المحبطون تئن أرواحهم بعد كل الخيبات والموت، ولكنها كما كانت تنادي فدوى ليس ثورة أفراد بل ثورة شعب (واحد واحد واحد) أقسم أن لن يعود إلى بيته إما حراً أو ميتاً.
ذات يوم ستعود فدوى إلى وطنها، وهذا ما عاشت وماتت لأجله، وإن جثة أو بقايا جثة، فالأغنية لا تموت ولا تكون بعيدة عن أرضها..اليوم سيشعر بعضنا بالوحشة والوحدة، وآخرون بالبرد، لكننا بالتأكيد لن نشعر بالهزيمة.
*ناصر علي - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية