ـ الكُبر ليس للتخصيب بل لتخزين وحماية يورانيوم إيران كوريا الشمالية من هجمات خارجية
ـ الكوريون نصحوا الأسد بتجريف المنشأة بعد قصفها وإعادة بنائها كمستودع للصواريخ
ـ العميد سليمان قضى برصاص قناص واحد جاء من سوريا وليس إسرائيل
في السادس من سبتمبر / ايلول/ عام (ألفين وسبعة) هاجمت طائرات اسرائيلية بذخائر عالية الدقة وبالغة التدمير موقع "الكبر" وهو عبارة عن منشأة عسكرية سوريّة مما أدى لتدميره بالكامل.
صمتت إسرائيل.. وصمتت دمشق وكأن شيئاً خطيراً لم يحصل، لكن مصادر وثيقة الصلة والاطلاع أفادت بأن هناك خدعة كبيرة لا تنفي نشاطاً حساساً بل تخفي طبيعة ذلك النشاط.. فما هي الحقيقة، ومنْ يخدعُ منْ ؟ .. وأي سرّ ذلك الذي اختفى قريبا من ضفاف الفرات في محافظة دير الزور شمال سوريا.
"زمان الوصل" حاولت استقصاء الحقيقة بعد أن حصلت على معلومات من مصادر خاصة مازالت تعمل في جسم النظام، ليتبين أن هناك تفاصيل أخرى لم يتناولها الإعلام، وأن كلّ ما تم تداوله يمثّل جانباً في القصّة، وهو ما يحتاج لنوع من تجريف الأكاذيب واستكما بعض المعلومات الناقصة.
في آب (ألفين واثني عشر) كشفت القناة العاشرة الإسرائيلية عن العملية – حسب ادعائها - بعد اقتحام بيت عالم سوري يسكن في الخارج ومصادرة جهاز كمبيوتره الذي يحتوي تفاصيل مراحل بناء المفاعل النووي بين عامي 2001 و2007 .
وكشفت القناة أن الحكومة الإسرائيلية أجرت محادثات مكثفة مع الادارة الاميركية للتنسيق في كيفية القضاء على مفاعل دير الزور. وفي محادثة مطولة بين الرئيس الأمريكي جورج بوش ورئيس الحكومة الإسرائيلية أولمرت، أبلغ الاخير الرئيس الأميركي السابق، أن بلاده لن تقبل وجود مفاعل نووي في مناطق قريبة من حدودها وبأنها ستنفذ عملية قصف هذه المفاعل، إذا لم تفعل ذلك الولايات المتحدة.
على مدى ست سنوات استمر خبراء في بناء منشأة مجهولة داخل الصحراء السورية في موقع الكبر في دير الزور، وتم تصميم الهيكل الخارجي للموقع على شكل مربع، حتى لا يثير الشكوك حوله، فما الذي كان يخفيه الوقع قبل التدمير.
النظام السوري ادّعى وقتها أن المنشأة هي مجرّد موقع عسكري اعتيادي، إلا أن اسرائيل والولايات المتحدة ودول أوروبية أشارت إلى أن المكان المستهدف هو عبارة عن مشروع لبناء مفاعل نووي.
زمان الوصل تقصّت حقيقة ما تناقلته وسائل الإعلام عن مختلف الأطراف، وتوصلت عبر خبراء ومصادر خاصة إلى وجود عملية كذب وتضليل، وأن الحقيقة هي غير ذلك.
بنك يورانيوم
بعد عملية بحث، أظهرت المعلومات أن خبراء كوريين شماليين وسوريين وايرانيين كانوا يعكفون على إنشاء بنك آمن لليورانيوم عالي التخصيب، وأن المنشأة تخدم المشروع النووي لإيران وكوريا الشمالية خارج حدود البلدين تحسباً لأي هجوم خارجي مهما كان مصدره على المفاعلات والمنشآت النووية، حيث جرى اختيار هذا البنك وهو موقع الكبر في دير الزور.
تظهر عمليات التجريف لموقع المنشأة بعد قصفها وإنشاء بناء جديد خلال فترة قياسية لم تتجاوز شهرا ونصف الشهر أن "الكبر" ليس موقعا عسكريا اعتياديا، لكنه في الوقت نفسه لا يصلح لأن يكون مفاعلا نوويا من الناحية الفنية وهو ما كشف عنه الدكتور "يسري أبو شادي" الذي استقال من عمله في هيئة الطاقة الذرية على خلفية اتهام سوريا بإنشاء مفاعل نووي.
الدكتور "أبو شادي" كشف عن فضيحة أودعها في كتاب اسماه / حقيقة المفاعل السوري/ يشرح فيه - وهو الخبير الدولي في الطاقة الذرية لأكثر من ثلاثين عاماً - استحالة أن يكون الموقع المذكور مفاعلاً نووياً أو ما شابه، الأمر الذي يفنّد الادعاء الاسرائيلي والأمريكي.
وتبدو عملية الخداع في تقرير تلفزيوني للضربة الاسرائيلية حيث جرى عرض لقطات مزورة مأخوذة من صور مفاعل نووي حقيقي قيد الانشاء في كوريا الشمالية، وهو ما أكده الدكتور يسري أبو شادي في كتابه المذكور.
تؤكد المصادر أن بشار الاسد أوعز للعميد محمد سليمان، المسؤول المباشر لدى القصر الجمهوري عن نشاطات السلاح غير التقليدي، بإزالة وتجريف منطقة القصف بالكامل وتنظيفها من كل ما من شأنه الدلالة على أن ثمة شيء غير عادي في "الكبر".
تجريف وتصفيح
وبالفعل جرى تجريف التربة على عمق عدة أمتار ورميها داخل نهر الفرات، وجرى تجميع الأجهزة والمعدات والمخلفات الصلبة ووضعها ضمن حاويات خاصة، ثم تم نقلها لاحقاً وتحت إشراف الخبراء الكوريين إلى "تقسيس" في ريف حماة حيث المشروع 99 سكاد.
هناك وضعت المخلفات داخل المبنى رقم /اثنين/ ومن ثم تم تصفيح جميع النوافذ والأبواب بصفائح حديدية ولحامها واغلاقها بشكل نهائي وهي موجودة منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم.
تفاعلت قضية "الكُبَر"، وتقرر إرسال فريق دولي للتحقيق، واستباقا لهذه الخطوة وللخروج من المأزق أوعز الأسد - بتوصية من الخبراء الكوريين- للبدء فورا بإنشاء بناء مربع مشابه للبناء المدمّر، وتمت العملية في وقت قياسي لا تجاوز 45 يوماً، ووضعت داخل المبنى الجديد قواعد اطلاق ثابتة للصواريخ "سكاد".
وفي حزيران عام 2008، قامت لجنة من وكالة الطاقة الذرية بزيارة المكان وأخذ عينات بناء على طلب مجموعة الدول الأوروبية وأمريكا، علما أن قواعد "سكاد" التي وضعها نظام الأسد لتضليل لجنة التفتيش الدولية هي ذاتها التي سيطرت عليها المعارضة فيما بعد.
لم تصل لجنة الوكالة بعد فحص العينات التي أخذتها إلى حقيقة جازمة بأن الموجود في المكان قبل تدميره هو مفاعل نووي، لذلك طلبت فيما بعد موعداً لزيارة أخرى وهذا ما رفضه نظام الأسد إلى أن استولت المعارضة على المكان وعرضت على الأمم المتحدة بوضع الموقع تحت تصرفها للزيارة.
اغتيال "أبو كامل"
خلف قصّة "الكبر" قصّة أخرى لمقتل المهندس الأمني لهذه المنشأة العميد محمد سليمان الملقب "أبو كامل"، ففي الثاني من آب - أغسطس آب عام 2008، وحوالي الساعة العاشرة إلا ربع مساءً.. أردت ثلاث رصاصات العميد سليمان خلال وجوده داخل "شاليه" الخاص به في منطقة شاطئ الرمال الذهبية بمحافظة طرطوس.
ادعت إسرائيل عبر "القناة العاشرة" العبرية أنها قتلت سليمان عبر فريق متخصص من البحر، وذكر البروفسور "ميخائيل بار زوهر" صاحب كتاب "الموساد... العمليات الكبرى"، أن "كوماندوس" من وحدة "شييطت-13" نفذ العملية من البحر عبر اثنين من القناصين.
ويظهر - بعد عمليّة تقصي – أن الرواية الإسرائيلية غير صحيحة، إذ تشير مصادر من داخل الفريق الأمني الذي وصل إلى مكان الحادث أن إطلاق الرصاص تم بواسطة قناص من داخل الرمال الذهبية وليس من البحر كما روج له الاعلام .
ويؤكد المصدر أنه وبمجرد وصول الخبر إلى دمشق، أجرى اللواء علي مملوك مدير إدارة أمن الدولة اتصالاً هاتفيا مع رئيس فرع أمن الدولة بطرطوس، وأمره بالتوجه للمكان وحراسته ومنع أي شخص من المساس أو تغيير أي تفصيل لحين وصوله من دمشق.
وصل مملوك إلى المكان عبر طائرة مروحية أقلعت من مطار المزة، وتم العثور على فراغات الرصاصات الثلاث التي أصابت سليمان بالقرب من سور للشاليهات قريب من النهر في الجهة الشمالية.
كما تم العثور على أثار سيارة رباعية الدفع عبرت النهر ذهاباً واياباً شمال الشاليهات بالقرب من طرف السور المقابل في نفس توقيت تنفيذ العملية.
التفاصيل كما ذكرها مرافق أمني للواء علي مملوك تنفي الرواية المتداولة بأن القناص جاء من زورق عن طريق البحر، وتؤكد التحقيقات أن مسافة القنص كانت أكثر من 100 متر، وأن سليمان كان يجلس في شرفة الشاليه بحضور ثلاثة أشخاص فقط هم صديقه ووالدته وزوجته، وليس في اجتماع لبعض الضباط كما ورد في الرواية الاسرائيلية الكاذبة.
كما يتبين أن ثلاث رصاصات قتلت سليمان واحدة أصابت أسفل الوجه بمحاذاة الرقبة والثانية في الرأس والثالثة في الخاصرة.
تضارب الروايات وما ورد على لسان زوجة العميد سليمان وكذلك المرافق الأمني لمملوك تشير إلى أن شيئا ما جرى إخفاؤه، ما يعني أن عملية الاغتيال ربما تقف وراءها إسرائيل لكن عبر عملاء لها في الداخل السوري.
إسرائيل قالت إنها حصلت على معلومات موقع "الكبر" عن طريق اختراق جهاز أحد الموظفين السوريين في مركز البحوث خلال وجوده في العاصمة النمساوية فيينا، إلا أن تلك الرواية تبقى موضع شك، إذ ليس من المفترض أن يحمل عالم نووي صورا لخبراء كوريين وأخرى للمفاعل من الداخل كتلك التي نشرتها القناة العاشرة الإسرائيلية، والتي أكد الخبير المصري أبو شادي أنها لمنشأة حقيقية في كوريا الشمالية.
كذب نظام الأسد في جميع التفاصيل، وكذبت إسرائيل أيضاً، وهو ما يشير إلى لعبة في الخفاء، لعبة أكاذيب تتطلب تجريفا يكشف عن حقيقة ما يجري وحقيقة الكبر وأسرار اغتيال مهندسه سليمان.
*مادة محدثة
علي عيد - زمان الوصل TV
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية