أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ماذا بعد صمت السلاح في سوريا؟*

من ريف حلب - جيتي

تقتصر المعارك اليوم في سوريا على بعض المناوشات في البادية، إضافة للتمثيلية "البايخة" في الرقة، ذلك بعض فرض كبار اللاعبين على الصغار الهدن ومناطق خفض التوتر، بانتظار "ربما" معركتين كبيرتين في كل من إدلب ودير الزور.

وثائق تم تسريبها من مصادر القرار في الولايات المتحدة الأمريكية تشير إلى أن مهمة "تنظيم الدولة" في سوريا أوشكت على الاختتام، وسيتم إخراج مسرحية الانتصار عليه في معركة بريّة في دير الزور تخوضها كل الأطراف المتصارعة على الساحة السورية، بتغطية من طيران التحالف والروس.

وتؤشر الوثائق "دون تصريح" على أن التنظيم المذكور سيختفي فجأة في المعركة، حيث لا جثث ولا أسرى إلا لضرورات المشهد، وهي صورة مشابهة لما جرى في الموصل، تمهيدا لظهوره في المنطقة التي تكلفه المخابرات العالمية العمل فيها.

ومعركة إدلب التي يعدّ لها الغرب بالتعاون مع الشريك الإقليمي تركيا، لم تتضح معالمها بعد، وإن كانت المقدمات تشير إلى أن إدلب ستكون قندهار ثانية، رغم ما تبذله تركيا ودول في المنطقة لإيجاد حل لمعضلة جبهة النصرة يجنب المدينة والمدنيين الدمار.

بانتظار هاتين المعركتين، خَفَتَ صوت السلاح، ولم تعد هناك معارك حقيقية، أو مناطق اشتباكات يتسابق فيها الناشطون لنقل أخبار التحرير والانسحاب، ولا يسمع المدنيون هدير الطائرات وانفجارات البراميل والصواريخ، كل ما في الأمر مجرد طلقات متناثرة هنا وهناك يصفّي من خلالها أمراء الحرب بعضهم، ويمارسون ما طاب لهم من اغتيالات وسرقات.

الهدوء، لا يعني التئام الجراح والتفات الناس لحياتهم وعملهم أو إعادة الإعمار وبناء الحياة وفق معطياتها الجديدة، بل هو مرحلة يخلد فيها الجميع للتأمل فيما جرى وما يمكن أن يكون في القريب.

غير أن العسكرتارية تعيش حالة من الذهول وربما الخيبة، وهي التي ضمت فيما ضمت المهمشين والثوريين والمنشقين الذين لا يجيدون عملا آخر، فبعد ست سنوات من حمل السلاح ماذا يفعل هؤلاء وقد انتهى عهد الرصاص وسلطة البندقية التي أدمنوها.

كل الوقت، كان العسكر من الطرفين يراهنون على استمرار الحرب أو انتصارهم فيها، وبالتالي استمرار الامتيازات التي منحتها لهم الحرب "الثورة" وصوت المعركة.

الخيارات أمام عسكر المعارضة تبدو معدومة، فلا تركيا تسمح بالعبور إليها، ولا دول اللجوء الأوربي تهتم لمن سبق له حمل السلاح وتخشى من "إرهابيته"، كما توقفت الـ 100 دولار التي كان ينالها المقاتلون الصغار ويعيشون بها الكفاف، والآلاف التي يسرقها الكبار من واردات غرفتي "الموم" و"الموك". 

لم يعتد عسكرتارية الثورة الحياة المدنية وسيكون من الصعب عليه التأقلم معها، وحتى يتمكن من ذلك يحتاج وقتا غير قصير يعود فيه مدنيا عاديا، وفي هذه الفترة الانتقالية لا يمكن التكهن بما يقوم به وردود أفعاله على حوادث حياته اليومية، التي تفرض عليه أن يكون كبقية المدنيين وهو الذي اعتاد سلطة البندقية وسطوة فصيله العسكري.

وعلى الطرف المقابل لا تبدو صورة عسكر النظام ومكونات ميليشياته بوضع أفضل، حيث من المتوقع أن تبدأ مرحلة الحساب الداخلي، وطرح الأسئلة المحرمة سابقا، لماذا قُتل منّا كل العدد، مقابل ماذا، ولأجل من، ماذا عن مستقبلنا وعيشنا في محيطنا الذي استعدينا مكوناته.

كل الذكور في الطائفة العلوية ونسبة غير قليلة من باقي الطوائف الذين ارتضوا البقاء في مناطق سيطرة النظام حملوا السلاح وقاتلوا في جيشه وميليشياته، وهؤلاء تنتظرهم العطالة والفراغ والمصير المجهول، فالبلد ميت اقتصاديا لا فرص عمل فيه ولا أفق بسلام حقيقي تبدأ معه عملية إعادة بناء يمكن أن يكونوا حاملها البشري.

ومن غير المتوقع أن يرتضي قادة جيش النظام الذين تمتعوا بسلطات لم يألفوها ونهبوا من عمليات التعفيش وبقية أعمال الفساد الكثير أن يعودوا ضباطا مهمّشين في جيش لا هدف له بعد أن انتهت حربه على السوريين وسقطت كذبته الأبدية عن المقاومة والصمود والتحضير لمعركة التحرير ضد "العدو الإسرائيلي".

إن ما بعد السلاح ليس كما قبله أو خلاله، ست سنوات من الحرب "الثورة" ألغت المدنية التي تُفرض على الجميع مجددا، ولكن من المرجح أن ينشغل الجميع بحروبهم الداخلية البينيّة، وأن لا تنتهي قصة البندقية هكذا بمجرد توقف الحرب.

*عبد السلام حاج بكري - من كتاب "زمان الوصل"
(109)    هل أعجبتك المقالة (115)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي