لو كان بسام الملك قرر العودة إلى سوريا قبل سنتين أو ثلاث سنوات، لقلنا إنه عاد إلى حضن الوطن، أما وأنه قرر العودة في هذا الوقت بالذات، وبعد أن أصبح الوطن كله في حضن روسيا وإيران، فلن يكون حاله بأحسن من سابقه نواف البشير، الذي تحول إلى "مرمطون" و"كاركوز" بيد إيران، تارة تلبسه البدلة العسكرية، التي تظهره كالمساعد أول في الجيش، وتارة أخرى تستخدمه لأغراض الخدمات الشيعية المحلية.
وفي جميع الحالات، من يشاهده في الصور الأخيرة التي ظهر بها، يشعر بأن الرجل في "مزنق"، وتبدو عليه مظاهر عدم الارتياح والتصنع، وكأنه موجوع في كرامته.
ولا بد أن بسام الملك، قد تحدث مطولا مع من سبقوه إلى هذه التجربة، وعلى رأسهم ميس الكريدي التي بشرت بعودته، وربما هي من قدمت له "الكليشة" التي يجب أن يقولها قبل أن يعود، من توجيه التحيات للجيش العربي السوري البطل إلى تخوين المعارضة، إلى شتم دول الخليج وأمريكا واتهامهم بأنهم يسعون لتقسيم سوريا وتدمير الجيش.
غير أن هناك حلقة مفقود في خطاب الملك، الذي وجهه للشعب السوري وأعلن فيه انسحابه من الائتلاف والعودة إلى سوريا، وهي كتابته بخط اليد، وقوله بأنه اكتشف كل هذه "البلاوي" السوداء في المعارضة بعد سبع سنوات من العمل معها، وهذه العبارة، أظن أن من أملاها عليه كان يقصد إهانته أو تهيئته لمواقف مهينة فيما بعد، ففيها إقرار، بأنه مارس العمالة والخيانة للوطن لمدة سبع سنوات، وهذا الاعتراف كفيل بأن يدفع به النظام للكلاب كي تنهشه دون أن يحاسبه أحد. غير أن النظام لن يفعلها بشكل مباشر، وإنما سيجعله يتمنى لو أن الكلاب تنهشه عن جد، ليس الآن، وإنما فيما بعد.
علي أي حال، لن تنقص الثورة، إذا تركها بسام الملك، ولن يزيد النظام بعودته إلى سوريا، فالمشكلة لم تعد بين من يبقى مع المعارضة أو من يقرر العودة للنظام، فعلى أرض الواقع لم يعد هناك معارضة لتبقى معها، ولا يوجد نظام كي تعود إليه، وإنما المشكلة هي بالآفاق المطروحة لحل الأزمة السورية، والتي بدأت تتحدث عن الفيدرالية في كل محافظة، مع مجلس رئاسي هو من يقرر السياسة الخارجية لكل الأقاليم ..ففي حال اتضح أن هذا ما يسعى المجتمع الدولي لفرضه في سوريا، وكما تقول الشائعات، خلال الشهر القادم، فهو يعني وضع سوريا على مستوى متقدم من أزمة طويلة الأمد، أو على الأقل لن يكون النظام والمعارضة بشكلهما الحالي هما من يقرران مصير سوريا للمرحلة المقبلة، وإنما سوف يزيد ذلك من اللعب الدولي في الأقاليم الفيدرالية، باعتبار أن الصيغة المطرحة تعطي لكل إقليم استقلالية إدارية واقتصادية تجعله مكتفيا بذاته عن باقي الأقاليم، وهو ما سوف يعزز، في المستقبل، من فكرة المناطقية، والتي سوف تنتهي لأن يطالب كل إقليم باستقلاله الذاتي، وكما في كل التجارب التي بناها الغرب في منطقتنا .. لذلك ربما أن بسام الملك يشعر بأنه عائد إلى بيته أو إلى إقليم دمشق كما يعتقد، وهو في تصوره أن بيئته المحلية التي ينتمي إليها، لن تلفظه أو ترفضه، لأن أغلب عناصرها لازالوا يعيشون في دمشق ولم يغادروها .. وإن كنت شخصيا أستبعد أن يلجأ المجتمع الدولي، أو بصورة أدق، الدول الكبرى المتحكمة بالأزمة السورية، إلى هذا الحل القائم على فكرة الأقاليم الفيدرالية، وإنما الهدف من طرحها، إعطاء المبرر لإنهاء وتصفية المعارضة السورية في الخارج، والتي أصبحت عبئا ثقيلا على الدول الداعمة والصديقة لها، ففي ظل غياب الآفاق لإنهاء نظام الأسد، بسبب تمسك روسيا به، فإن هذه الدول تحاول أن توهم المعارضة، بأنها وجدت الحل الوسط الذي يرضي الجميع، وخصوصا أن النظام لم يعلن حتى الآن موقفه المعارض من هذا الحل، بل قدم إشارات الموافقة عليه، وهو في حقيقة الأمر لن يوافق عليه ولن يمرره، لأنه يتعارض مع مشروعه الخلاق: الأسد أو نحرق البلد ، وإنما يريد تمرير الشق الأول منه، وهو تصفية المعارضة بكامل أجهزتها في الخارج والتي حازت على اعتراف المجتمع الدولي كممثل للشعب السوري .. هو بالضبط يريد القضاء على هذه الحالة، وهو ما تم البدء به من خلال وقف الدعم للائتلاف، بحجة: وجدنا الحل!!
ضمن هذا التصور، يمكن قراءة عودة بسام الملك إلى سوريا، على أنها تعني للنظام، بأنها بداية النهاية لأهم جسم سياسي معارض لطالما أزعجه، رغم هشاشته، بينما ينتظر من المملكة العربية السعودية أن تفتت باقي هذا الجسم، حتى لا يعود له وجود على قائمة أوراق الدول الكثيرة، والتي سبق واعترفت به..في لحظة مكر شديد.
*فؤاد عبد العزيز - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية