في حال البدء بتحصيل ضريبة القيمة المضافة، مطلع عام 2010، حسب تصريحات أكثر من مسؤول في وزارة المالية، فذلك يعني، أن هناك استحقاقات وإجراءات يتعين العمل على توافرها منذ الآن كي لا تكون الولادة عسيرة أو متخمة بالأخطاء وانعدام الشفافية، ومن أبرز هذه الاستحقاقات التي يفترض إدراجها على رأس قائمة الأولويات، السعي بلا تلكّؤ أو تردّد من أجل تعميم (الفوترة) على كل ما له علاقة بعمليات البيع والشراء.
وهذه الفوترة تعني تداول الفواتير النظامية، بدءاً من الجهة المنتجة أي المنشآت الصناعية، مروراً بالمستورد وتاجر الجملة ونصف الجملة وباعة المفرق، وانتهاء بالمستهلك العادي الذي من حقّه أيضاً الحصول على فاتورة نظامية حتى لو كانت هذه الفاتورة مقابل شراء بضع كيلوغرامات من الخضار والفواكه أو أي سلعة قد تبدو هامشية وليست ذات قيمة، فتجارب البلدان التي سبقتنا ومنذ نحو نصف قرن إلى اقتصاد السوق تشير إلى أن المرجعية الفعلية لإطلاق الأحكام حول مدى تحقيق الفشل أو النجاح في تحصيل هذه الضريبة، تعود إلى إمكان تحقيق آليات سليمة ودقيقة في مراحل انتقال (الفوترة) من حلقة إلى أخرى، والمقصود بهذا الكلام ضرورة تقيد المنتج أو المستورد أولاً بمنح التجار الفواتير الصحيحة، لأنه ومن دون هذه البداية، فإنّ تاجر الجملة أو المفرّق سيجد نفسه مضطرّاً للاستمرار في التلاعب وعدم البوح بحقيقة الأكلاف.. ولكن مقابل الوصول إلى مثل هذا الاستحقاق، فإن المرجعيات الرسمية من (مالية - تموين - جمارك) مطالبة بدورها بفرض ضرائب عادلة وأرباح مرضية للتاجر والمستهلك في آن.
الأمر الذي لم يعد مجهولاً، وتدركه المرجعيات المالية الممثلة بمؤسسات ومديريات وزارة المالية، أن طرائق تنظيم وإعداد (الفوترة) في أساليبها الراهنة، مازالت محكومة بآليات وممارسات إدارية تقليدية ومتخلّفة، كما أن الفوترة وبكافة حلقاتها مازالت تقوم على تزييف وتزوير الأرقام المتعلقة بحقيقة أكلاف المنتج وهوامش الربح، وكل ذلك من أجل إلحاق الغبن بالمستهلك أولاً، ومن أجل تضليل الدوائر المالية، والتهرب ما أمكن من تسديد الضرائب ثانياً، وبالمناسبة، ثقافة (الفوترة) باتت من منسيات التجار ورجال الأعمال في معظم قارات العالم، والتاجر أو رجل الأعمال الذي يتبوأ مكانة اقتصادية أو سياسية، ويحظى بثقة واحترام الرأي العام، هو الذي اشتهر وعلى مدار سنوات طويلة من تحقيق مصداقية وسمعة حسنة لجهة الالتزام بتسديد الضرائب المطلوبة، ففي الدول الصناعية يسود اعتقاد شائع في أوساط غالبية شرائح المجتمع أن المتهرّب ضريبياً هو شخص مسيء لاقتصاد بلاده ويستحق أقسى العقوبات، بينما وللأسف، فإن المتهربين ضريبياً في بلدنا يظهرون الكثير من التباهي، انطلاقاً من ثقافة المحسوبيات والعلاقات الوطيدة والمميزة التي تربطهم مع القائمين على تسيير المؤسسات المالية الرسمية والذين يقومون بصوغ القوانين والقرارات الاقتصادية وغير الاقتصادية.
وبالاتّكاء على هذه الحقائق التي باتت متداولة ومعروفة، من الطبيعي إطلاق السؤال الآتي: أين هي جهود الحكومة لتكريس (الفوترة)... والأهم: إلى أين وصلت اللجنة التي قامت وزارة المالية بتشكيلها لوضع الأسس الصحيحة لنظام الفوترة... وماذا عن حصاد اللجنة بعد مضي أكثر من عام على إقرارها والإعلان عنها في المنابر الإعلامية الرسمية؟!..
حقيقة، ليس هناك ما يشير بأن ثمة إجراءات جديدة تلزم باعة المحال التجارية في منح الفواتير للمستهلكين، حتى أن الفواتير التي تمنح للزبائن من جانب (المولات) التي أحدثت خلال السنوات الماضية، هي بالأساس لا علاقة لها بنظام (الفوترة)، وحضورها هو أقرب إلى (كشف حساب)، لأن حضور نظام الفوترة في ظل سريان مفعول ضريبة القيمة المضافة، يعني ومن ضمن ما يعني، قيام وزارة المالية، إلغاء كل ما له علاقة بالضرائب المباشرة التي يتم تحصيلها من المستهلكين، وتحديداً لجهة المنتجات والسلع التي يتم تداولها في الأسواق، ومثال على ذلك رسم الإنفاق الاستهلاكي الذي يتم تحصيله اليوم في الأسواق والمطاعم وحتى في محال بيع وشراء المعادن الثمينة مثل الذهب.
وإذا كانت (الفوترة) هي إحدى أبرز مقومات نجاح تحصيل ضريبة القيمة المضافة أو ضريبة المبيعات، فإن الاستحقاق الآخر الذي لا يقل أهمية عن سابقه، يتمثل في ضرورة العمل على مكافحة التهرب الضريبي، فهذا الأخير وحسب بعض التقديرات لا يقل عن (100) مليار ليرة سنوياً، وهذا المبلغ العملاق الذي لا يدخل إلى خزينة الدولة، ينجم عنه حرمان الخزينة من عائدات كان يتعيّن استثمارها ضمن مشروعات تنموية واقتصادية، والأمر الذي لم يعد سراً، أن الذين يتهربون ضريبياً، ليسوا من المستهلكين العاديين، وإنما من رجال الأعمال والصناعيين والتجار وسواهم من الأغنياء الجدد الذين يحتكرون السوق المحلية من بابه إلى محرابه، وربما من المفيد السؤال في هذا السياق، إلى أين وصلت وزارة المالية في تطبيق قانون مكافحة التهرب الضريبي بعد مضي أكثر من أربع سنوات على تطبيقه وولادته؟!
بالاتّكاء على الحقائق الآنفة الذكر، يمكن القول إن المدة الزمنية التي تفصلنا عن تحصيل ضريبة القيمة المضافة تصل إلى نحو العام تقريباً، وهذه الفترة الزمنية المتبقية قد لا تكون كافية لإحداث المزيد من الإصلاح المالي والإداري الذي يضمن الوصول إلى (فوترة) سليمة في كل ما له علاقة بعمليات التجارة الداخلية والخارجية.
الجانب الأهم والذي لا يجوز القفز عنه، أن الغالبية من الرأي العام مازالت تجهل ما يعنيه مصطلح ضريبة القيمة المضافة، ولهذا السبب يفترض بوزارة المالية وسواها من المرجعيات الرسمية العمل على تنظيم ندوات ومحاضرات مكثفة من خلال المنابر الإعلامية من أجل الإسهام في تعميق وعي المستهلكين في هذا الجانب.
والمؤتمر الذي سيعقد بدمشق الشهر المقبل حول هذه الضريبة قد يشكل مقدمة أولى في نفض الغبار عن المفردة الاقتصادية الجديدة التي ستضاف إلى مفردات المستهلكين في الاستخدامات اليومية.. وفي هذا السياق لا بدّ من التوضيح أن هوية اقتصاد السوق التي نأخذ بمضامينها في الوقت الراهن ستبقى مشوّهة وغير ممكنة التحقق دون ترسيخ دعائم وثقافة ضريبة القيمة المضافة... والسؤال: أين المواطن السوري من هذه الثقافة وماذا يعرف عن معانيها ومضامينها؟!
مروان دراج - دي برس
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية